مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الأربعاء، 26 مايو 2010

سيرة خابية ... احكي لي يا ستي حكايه ....

إهداء للاستاذ الناقد جميل حمادة
خربثا الحارثية : الحاجة زكية نمر ـ ام عمر ـ نلاحظ الثوب الفلسطيني ودقة التطريز وروعة الالوان



الجدة كانت تظل صامتة وهي تسبح بمسبحتها الطويلة ساعتها كنت اعرف ليه ستي ساكته ,بدها احكي معها بلغتها , ستي مكانتش تحب احكي معها مدني, كانت تحب اللهجة الاصلية على قولتها ومرات كنت اتعمد اطلب منها اللي بدي اياه بالمدني قصدي اللغة اللي تعلمتها من يوم ما نولدت ,بس ستي كانت اشطر مني ومكانتش تتنازل الا لما احكي معها بلغتها
ــــ ستي ,خرفيني خريفية ستي ام علي كانت تتغير ملامح وجهها مع انها كانت تحاول تحافظ على جديتها , ومهما كانت تقاوم ضحكتها وهي تزمزم اطراف شفايفها الا انها كانت تنتهي تضحك وكانت تفكرني مش ملاحظة مقاومتها للضحك ,كانت تحاول تلهيني
ـــ طيب قومي جيبي لي اشرب , بس اوعي تجيبي المي في كباية كزاز , كبايتي محطوطة جنب الكوزكنت في اوائل سنين وعيي للامور استغرب لفظ ستي لبعض المصطلحات مثلنا احنا( المدنيين على رايها ) كنت استغرب لما تقول لي كوز المي وهو جرة المي الفخار الصغيرة حرف الكاف كانت تلفظه بالمدني , ومع ذلك كانت تعارض طريقتنا في الكلام ,ما اغربها كانت تبدو لي ستي كما هي حياتها كنت استغرب منها امور كثيرة , ومنها انها كانت تروح تتوضى لكل صلاة بدون ما تطلب مساعدة ومكانتش تقع , كنت اراقبها من بعيد لاني لما حاولت اساعدها مرة رفضت وبعصبية اخافتني لباسها كان اسود بأسود, اللون الوحيد اللي كان يكسر السواد هو لون المنديلا الحرير الاخضر اللي كانت تعصب بيه راسها , حتى يوم ما مشطت شعرها قدامي استغربت انها بتحط شبرات سود وبتجدلهن مع جدايلها
ــــ ستي , ليش لون شبراتك سود ؟ستي مقاومتش ضحكتها قبل ما تجاوبني بس عمري ما سمعت لضحكة ستي صوت , ضحكتها كانت شبيهة بحياتها , فيها صمت وتكتم كبير ــــ هذول مش شبرات يا ستي والا مفتشرتيني بروح عالمدرسة مثلتش
ـــ ستي , ولما كنتي تروحي عالمدرسة كنت تحطي شبرات ؟بتذكر لما سألت ستي السؤال هذا قديش ندمت وما عدت سألتها اياه ثاني حسيت حالي جرحتها وعلى طول طلبت من ستي تخرفني خريفية
ـــ ستي , خرفيني عن داركم
ـــ مخرفتيش عنها هذيتش المرة ؟
ـــ بحب تخرفيني مرة ثانية
ـــ بس الخابية اكيد مخرفتيش عنها
ـــ لع , الخابية شو هيي ؟كنت اتظاهر اني مسمعتش عنها على شان ستي تحكيلي كل صغيرة وكبيرة واعود واستمتع باللي بتحكيه وكأنه حصل قبل مئات السنين , كنت احس انها ستي بتنبسط مثلي مع اعادة الاحاديث او الخراريف
ـــ اه يا ستي , شو بدي اقولتش والا شو يوم بقيت زغيرة بقى عنا دار تشبيرة تشبيرة , وابوي الله يرحمه بقى عنده اراظي تشير والخير يا ستي تشان مبين على الناس , مش مثل اليوم الناس زمان يا ستي مبقتش توزن الخير بالميزان مثل اليوم
ـــ مكنتوش تعرفوا الميزان ؟!
ـــ لع يا ستي , بقينا نعرفه, بس عند الصايغ اللي ببيع ذهب, وفي حدار ذهب بقى يلف على الدور ومعه ميزان , النسوان بقن يشترن منه ذهب , بقن شاطرات مش مثل نسوان اليوم الوحدة بقت تحوش العيديات واللي بعطيها اياه جوزها ونقوط ولادها وتشتري فيه ذهب , وفي منهن خايبات بقن يبيعنذهبهن للحدار , اما المرة الشاطرة لو كل يوم بتوكل خبز حاف بتبيعش ذهبها كنت اشعر من كلام ستي انها بتنبهني اهمية التوفير والتدبير وعدم التفريط في الغالي من اجل الشهوات
ــــ الخابية يا ستي في دار ابوي بقت عامرة طول السنة
ـــ وكيف كان شكلها ستي كانت تبتسم وكأنها الخابية بعيدة كل البعد عن اشكال الاشياء المعروفة
ـــ الخابية يا ستي هي قطعة من دار تشبيرة , لما بقوا يبنوا الدار بقوا بينوا الخابية في سدر البيت الحيط التشبير بقوا يعملوه مثل الخزانة بس اتشبر منها بتشثير , والبنا بقى يستشره ويخليه مفتوح من فوق وبعدين بقى يعمل فيه خزوق من تحت , وبقينا نظب المونه فيه ونستشر الخزوق بشريطة نظيفة ولما بدنا نطبخ نطول اللي بدنا اياه من الخابية ونرد نستشر الخزق بالشريطة كنت اتخيل الخابية وفي البداية مكنتش اقدر اتصور مكان في جدار يخبىء به مؤونة البيت لمدة سنة ودون ان يختلط العدس بالقمح بالفول لكن ستي قدرت توضح لي من خلال اعادة سرد حياتها وهي صغيرة انها الخابية تكون خزنة كبيرة بكبر حائط غرفة المعيشة الاساسية في المنزلوبعرض كبير ,لتتسع للكثير من الخزين وانها من الداخل مفصولة لعدة اقسام وان الفتحات المغلقة بواسطة قطعة قماش على شكل طابة كانت تزال ليسقط ما تحتاج اليه ربة الاسرة مما في تلك الخانة في وعاء مصنوع من القش وتعيد اغلاق الفتحة بقطعة القماش بينما يتم تزويد الخابية اذا نقصت بأي من محتوياتها بواسطة افراغ اكياس من العدس والقمح والفول السمسم والذرة من عبر الفتحة الكبيرة في اعلى الخابية وكانوا يستعينون بسلم خشبي للوصول البى اعلاها وبعد ان تمتلىء يتم اغلاقها من فوق بواسطة وضع لوح خشبي كبير يغلق كل الابواب العلوية معا ويظهر وكأنه سطح خزانة كبيرة كم كنت اتمنى لو عشت في ذلك البيت الذي تغنت به جدتي وخاصة عندما كانت تحكي لي عن خابية اخرى
ـــ العسل يا ستي بقى اله خابيه لحاله جرة فخار تشبيرة مثل اللي في قاع الدار حطها البنا في خابية على قدها وبقى الها زعبوبة مثل اللي في كوز المي الزعبوبة بقت من تحت وامي بقت تفتحها وتصب العسل في فخارة صغيرة وانا بقيت لما امي تغفل عني افتح الزعبوبة واشرب عسل منها مثل المي وارد استشرها قبل ما امي تشوفني على وجه ستي كانت تظهر علامات جميلة ,كنت اجب ان اراها فقد كانت تفصح عن طفلة مختبئة في داخلها , كانت تلك الطفلة تظهر كلما كلمتني عن احدى مواقف شقاوتها ايام طفولتها
كنت المس في ستي خليط كبير من القسوة والشدة واللين والقوة والضعف والحب واللامبالاة بشعور الاخرين والاهتمام بالصغير والكبير فيها كنت ارى شعاعا كبيرا من الأمل والفرحة بالرغم من مقاومتها لابتساماتها القليلة وبالرغم من ملابسها السوداء من الرأس الى القدم كنت اجد بجانبها الطمأنينية واراها جميلة جدا اما عيناها فلا زلت اجهل اي سر كانا يملكان ليضفيا لوجهها نورا وجمالا بالرغم من كل شيء ورغما عن كل امر ...........لجدتي كانت رائحة معينة ولقطعة الخبز التي كنت أشاركها إياها كانت نكهة معينة , وصرت اشعر بطعم العسل والزيت لكثرة ما تأثرت بحكاياها عن ماض حفظته في قلبها ولا تتعب من سرده لأولادها وأحفادها وأولادهم صديقاتي في المدرسة لم يصدقن ان جدتي التي اقضي معها عطلة الصيف هي جدة والدتي كنت الوحيدة التي تملك كنزا كهذا….ولا واحدة منهن لها جدة مثل جدتي .....وبالأحرى ولا واحدة منهن ما زالت جدة والدتها حية , كبرت وهي حيه وكنت افتخر بذلك …جدتي لمست حبي لحكاياها وكانت تستغل كل فرصة لتسرد لجمهورها الصغير ما تحفظه ذاكرتها من ايام طفولتها وصباها , بل كنت أشعرها غاية في ا لسعادة واستغرب لما في حياتها من تناقض.لم اكن اعي بعد ان الانسان قادرا على ان يحتوي في داخله عدة شخصيات في ان واحد كنت احسب جدتي حزينة دائما لكنها كانت تعبر عن فرحتها لكل ما يصل لسمعها من اخبار سارة , والمس في داخلها طفلة لعوبة , وارى في وجهها تعابير امرأة مكافحة , واحب فيها ضحكتها الخجولة وغضبها السريع كسرعة ذهابه ...جدتي كانت نموذجا لعدة نساء في امرأة واحدة وكلما كبرت كنت اكتشف فيها المزيد مما يزدني حبا لها .لم اسألها يوما عن جدي ......والد جدي لم اعرفه , عرفت عن سيرته من والدتي اما جدتي فلم تكن كثيرة الكلام عنه , ربما كانت تتجنب سيرته خجلا وربما لتتفادى الالم الناتج عن نبش ذكراه وربما لامر اجهله ولم يخطر ببالي ابدا بعد الغداء استغلت جدتي طبخة ذاك اليوم لتتكلم عن ذكريات الطفولة والصبا لم اطلب منها ان تحكي لي حكاية ولا تخرفني خريفيه هي وحدها بدأت
ـــ تغديتي منيح يا ستي
ـــ اه , الحمدلله
ـــ عجبتش الطبخة
ـــ كثير, امي كمان بتطبخ مقلوبة يوم الجمعة شعرت بيد ستي تحسس على شعري , ربما لذكر امي , وربما لذكر عادة يوم الجمعة وربما للامرين معا
ـــ الرز هذا دخيل على اكلنا , الله على ايام البرغل والفريتشه
ـــ مكنتوش تعرفوا الرز؟!
ـــ الرز فش فيه فايدة يا ستي , البرغل بقى اكلنا الاساسي ويوم بقى ييجينا ظيف بقينا نحط في الطبخة فريتشة بدل البرغل ستي كانت تشرح لي عن عاداتهم في الطعام وكنت استغرب في البداية لكن كل ما وضحتلي اكثر كنت اتمنى لو اني عشت معهم لما كانت صغيرة ولا يوم تجرأت وسألت ستي ليش لابسة اسود ولا حتى اليوم اللي شرحت لي فيه عن عاداتهم الشتوية والصيفية
ـــ اول السنة بقى ابوي يروح يشتري دحلتين قماش وحدة للنسوان والبنات ووحدة للزلام والولدة وامي والنسوان بقن يخيطن الاواعي للكل وما نعودش نخيط الا للموسم اللي بعده ـــ ويوم العيد ستي , مكنتوش تروحوا تشتروا اواعي !
ـــ يا ستي بقاش على زمنا اواعي حاظرة وبقينا نحافظ على الاواعي الجداد ليوم العيد والأعراس.في داخلي حزنت وفكرت انهم كانوا محرومين ,لانهم مكانوش يروحوا السوق يشتروا ملابس مثلنا لكن مع ازدياد حكايات ستي ازددت قناعة انم كانوا عايشين بخير اكثر منا واهم شيء القناعة....
منقول عن موقع عالم حواء ملتقى الاحبة المغتربات...احكيلي يا ستي حكاية..
الصور نقلا عن موقع / http://www.palestineremembered.com/

السبت، 22 مايو 2010

الرحيل في الق..

سيدة الألق
لك كل هذا الألق ..
وكل هذى الصباحات الندية
موجة من هذا الأزرق
أهديك
وباقة من هدير
كل الخطو إليك براح
وكل الشوق عندي
حنين
حينما نتوسد الليل
ونركب أجنحة الصهيل
يصبح الهمس شعراً
في ملكوت الصمت
لتحط القصائد عصافيراً
عن ربي الكلام
ويمسي الشعر حفنة
من سرور
يالهذه الأبهة وهذا ..
الجنون الجميل
نذوب الخيال نبيذاً
في كؤسس الأماني
ونتبادل أنخاباً
من همس خفي
ننصب الفخاخ لمارقات
الليالي
حتى يغمز الفجر ضاحكاً
للطيور
ياسيدة الألق ..
وملكة الصباحات الندية
أناديك ..
لأهديك أنهار الدنيا
رحيقا معتقاً
من شفاه الزهور
.......

اهديك هذا النص الندي، ياصاحب الابتسامة المتالقة
ياخفيف الروح، اودع روحك بالدعاء
لازالت كلماتك الثلاثاء الماضي في اذني
(هيا بري اكتبي، شنو راقدة زي الدجاج ، الكتاب مايرقدوش يا ابلة ، والا تبي الحج وتبي
السلامة؟)

قلت/ الله يسامحك، اتركني لانام ،غدا صباحا ستجد المقال في
بريدك
اجبتني/
ييه ... وهو من يضمن عمره ؟
صدقت يا بهجة أعمار أصدقاءك
من يضمن عمره؟
لكنني اضمن لك إننا سنذكرك بامتداد أعمارنا
سنفتقدك كلما افتقدنا المرح والطيبة والإشارة الذكية
بلقاسم ،أتدري ما يعزيني..؟
انك زرت بيت الله بعد شوق وتمني
وانك ادخلت الكثير من السرور، وزرعت الابتسامة عنوة في وجوه اهل
الثقافة العابسة
ارسل لك دعاء معطر بطيبتك وصفاءك يؤنس تراب قبرك
كم ساعة مرت عليك هناك...اموحش هو القبر؟
نحن هنا نعاني الوحشة ايضا
نفتقد سلعتك التي يابى الناس شرائها
الود
اتذكر يوم قلت ان الكاتب وحده يقدم سلعة مرفوضة حتى
بالمجان خمنت انا( النصح) فصححت لي بل الود
ابتسمت كعادتك وقلت انك ستلفها في اكياس وتبيعها في طريق
(طرابلس- مزدة)، بعد ان تكتب عليها بالمجان
ها انت ترحل في نفس الطريق تودعنا فيها بكل ود
لك الود، والصباحات الندية
يا صاحب الجنون الجميل
سادعو لك كلما غمز الفجر ضاحكا، بأنهار الجنة، ورضا الرحمن
سلام
يا سيد السلام ، يا حفنة من سرور.....

الثلاثاء، 18 مايو 2010

عندما يتحول الرجل لكومة سحاب....

القصيدة /
ايش رايك...؟
ايش رايِك لو خذينا
م السما كومة سحاب
واركبنا فيها ولفينا
ع السهول وع الشعاب
ولعبنا مع الغيم وذبنا
افهمناه وهو فهمنا
هاذي غيمة تبي تمطر
مدي يدك واحلبيها
وهاذي غيمة تبي ترقد
هوى شوي شوي عليها
نني غيمة..هيا نني
واحلمى بغابة ياسمين
وامطرى ف الحلم عليها
وهاذي غيمة تبي تمشي
امسكى في ايديها زين
ودودشيها..
خطوة خطوة دودشيها
وهاذي غيمة تبي تلعب
لعبيها..هيا دونك لعبيها
لفيها بيديك اشوى
وفصّلي منها العاب
ديري منها قرين اجدي
وديري منها حجاب
حلوة الدنيا فوق الغيم
وحلوة نكونوا اصحاب
للغيم الطاير في الجو
وراكبين سحاب.

القراءة /
يخاف الرجل الحب ..يخاف ان يفقد السيطرة..يخاف ضعفه أمام حبيبته... فيتعمد إظهار القسوة ثم يشتاق لاعلان ضعفه لأنه حقيقته...قد يكون هذا الاحتياج المشبع بالخوف أهم أسباب الحقد الجنسي عند البعض خاصة في ظل تنشئة تتعمد الجفاف وتعادي تأنيث الأشياء من باب الحفاظ على القيمة...!
و الشاعر سالم الكواش في هذه القصيدة يقدم نموذجا لحوار فائق النعومة يؤنث المفاهيم بلغة عميقة الرجولة... لا يخفي فيها حبه ولا يتنازل فيها عن حقه...لغة ذكية وصور جمالية مدهشة تتعدى الحوار مع المرأة إلى تعليمها الجمال والتناغم مع الكون... فلندخل لعالم سالم الكواش وكيف يصنع التناغم في هذه القصيدة .
........
بداية بالعنوان (ايش رايك)...؟
وهو اشارة تغري بالمحاولة وتؤكد حرية المرأة في اتخاذ القرار لتتحمل مسؤوليته وتبعاته بصبر ويقين وتشعر بانتماءه لها .
"لو خذينا" ولم يقل " لو خذيتي" مما يفيد التشجيع بالمشاركة والتخفيف من ثقل التكليف على المحبوبة.... وهذا الاتحاد والألفة مع الغيم "ركبنا فيها" سينتج عنه ان الغيم(الرجل) سيقدم لنا ما لا يمكن ان نحققه بمفردنا وان هذا الاتحاد والامتزاج يصل لحد الذوبان وبالذوبان وحده سيحقق التفاهم (وذبنا وافهمناه وهو فهمنا)
ثم يبدأ حضور الأنا ومتطلباتها ولكن بعذوبة، تتسلل دون ان نلاحظها لتملي رغباتها كمقابل وهذه الاحتياجات هي موضوع القصيدة الأساسي، المقدم والمنتهي بنفس الفكرة (متعة رفقة الغيم واهميتها) للتأكيد على تبادل العطاء ..فيعدد احتياجاته تباعا ووفق اولوياتها وبتلميح ذكي لكل تفاصيلها ومتعلقاتها... ويربطها كلها بأول احتياجاته وهو أللماحية الناتجة عن فهم الغيم(الرجل) من خلال تكرار لفظ "هذي غيمة تبي" قبل ذكر احتياجاته وهو إشارة لقدرة المرأة على قراءة الغيم(الرجل) وتحسس احتياجه..
-------------------
والاحتياج الثاني ان تكون متنفس لكل ما يملاه من هموم ورغبات وقلق... "تبي تمطر" دليل على رغبته في التنفيس وإحساسه بالضيق والثقل...ثم يلمح لأسلوب الأداء لتعويله عليه فيركز على المبادرة "مدي يدك" ثم استخدام لفظة تكاد تكون غريبة في لغة سالم الكواش الرومانتكية لأنها لفظة حسية "واحلبيها" الا ان ملائمتها للنسيج الصوري و المعني أعطتها جمالية خاصة بينما أعطت هي إشارة لان الهموم جزء من نتاج الرجل - يدرها كلبن او كمطر- .." اانكرها ومنبتها فؤادي، وكيف تنكر الأرض القتادا ".
ونلاحظ هنا التركيز على الاحتياج الحسي كاول احتياج والتعويل عليه لتبديد الهموم والراحة.. ولم يشر بعبارة أخرى وصفية لهذا الجزء باستثناء التركيز على التفهم والمبادرة في نفس وقت الاحتياج..
---------------
ثم الاحتياج الثالث وهو الاسترخاء والسكينة " تبي ترقد" وان هذا الاحتياج له تفاصيل اداء"هوي اشوي اشوي عليها" أي حدثيها.. والتركيز على الحديث المطمئن كأهم احتياجات الرجل..حتى ان البعض يعتبر الهدهدة أهم مظاهر الأنوثة والأمومة إلا أنها هنا تكثيف لدور المرأة المتمثل في الكلام الطيب وينتقل سالم لتفصيل موضوع الحديث الأهم –من وجهة نظره طبعا –وهو"احلمي بغابة ياسمين وامطري في الحلم عليها".... ومن المؤكد طبعا إن مشاركة المرأة للرجل في أحلامه ودعمها ورؤيتها لنجاحه كانه يقين(إيمانها به) احد أهم احتياجات الرجل الاتصالية.... ثم يحدد سالم حلم شخصي لا تستدعي الضرورة الفنية تحليله"غابة ياسمين وأمطري في الحلم عليها" إلا أن أوضح إشاراته المشتركة بين كل الناس هي الرغبة في العطاء لتأكيد الانجاز وتعزيز الثقة....
------------------------
ثم ينتقل لاحتياج أخر وهو الدعم الفعلي(العمل)وهو دور المرأة من صبر وتدبير منزلي ومشاركة عملية لاستكمال مشوار الحياة"هذي غيمة تبي تمشي" ويشترط لهذا الدور ان يكون بوضوح واتفاق وتكامل... "امسكي في ايديها زين ودودشيها" .. وعلم مسبق"خطوة خطوة دودشيها"
-------------------------
ثم الاحتياج الأخير وهو روح المرح التي تعيده طفلا وهو هنا يحدد تركيبة خاصة لدور المرأة بان تكون أمه التي تحتويه "لفيها في أيديك اشوي وفصلي منها العاب"....وكذلك طفلة تشاركه اللعب "ديري منها اقرين أجدي وديري منها حجاب"....
يقدم سالم الكواش بلغة سهلة نموذج مكثف الصور ومتشابك المحاور لتورط الرجل في احتياج المرأة واستعداده الكامل للتسليم مقابل تحقق احتياجاته "لفيها في أيديك اشوي وفصلي منها العاب"..وهذه اللغة تتميز بالنضج الوجداني واللغوي للشاعر...
اروع ما يقدمه هذا النموذج هو لغته في الحوار مع المراة بما يتناسب مع احتياجاتها وهو التقدير والاهتمام باستهلالية "ايش رايك" ... ثم المشاركة بتكرار نا الدالة على الفاعلين... ثم الختام بطمأنتها ان الاستقرار في المكان(المكانة) فوق الغيم مستمر وبديهي مادمنا نحن والغيم أصحاب "حلوة الدنيا فوق الغيم وحلوة انكونوا اصحاب للغيم" ... صورة راقية تعيد طرح الحب المشروط بلغة عذبة تنسي القارئ القالب الفكري القديم الذي عرفنا فيه العاشق اعمى ومجنون...
الى جانب التوفيق في اختيار الرمز" السحاب" وهو ما يبدو للرائي شيئا غير محدد الملامح حيث يتمرد به الشاعر على القولبة كمظهر للالتزام العاطفي..الا ان الكواش في قصيدته هذه يعتبر الحرية "الغيم الطاير في الجو" هي طبيعة في الغيم(الرجل) وان تفهم المرأة لهذه الطبيعة سيؤدي حتما لان يكونوا "أصحاب" ... مما سيسعدها معه ويشعرها بتحررها أيضا....
يحطم الكواش هنا صورة الحب الغير مشروط والعاشق الذي يقضي عليه حبه..ليقدم صورة لحب مشروط بدون ان ننفر منها وبدون ان تنقص شاعرية القصيدة...ويتميز موضوع القصيدة بتقديم فكرة واقعية في أسلوب رومانتيكي حالم....كذلك ترتيب الإحداث وتسلسلها فالشاعر يحافظ على تسلسل ادوار المرأة في الأولوية بنفس تسلسل ادوار الام في الحدوث ، حدث حدث (احلبيها،هوي اشوي عليها،دودشيها،لعبيها) ... تبقى المرأة العاشقة مقيدة دوما بعشق الرجال الاول...... (امهاتهم) .
قصيدة سالم الكواش جديدة في حوارها مع المرأة فهي ليست ملاك او أميرة او ساحرة او قاسية او شرسة كما اعتدنا في نصوص المحبين ، بل هي الام وهي الطفلة ورفيق الدرب، قصيدة تمثل انتصار لإنسانية المرأة والرجل معا ، وجمال الحب عندما يستنير بالاحترام....

الطبيعة مدرسة الشاعرية.....الدرس الاول / الامتلاء...

المشربية نموذج الفن العربي ..رمز التمرد التشكيلي على غياب التفاصيل في البيئة"الصحراء" بملء الحيز بالتفاصيل

الزخرفة الاسلامية (ملء الحيز وتفريغ العناصر)

عندما يصبح التفريغ والملء ، الحضور والغياب، هو لغة الفنان يمكن ان يبدع تفاصيل كثيرة تحتفظ بهويتها الاساسية(العربية)


نموذج بصري لتاثير الامتلاء في التلقي بحيث يعبر عن العنصر بالتفريغ او الغياب او الصمت،النموذج لمرآة (تفريغ) تتوسط نقوش(امتلاء)



الفن العربي هو اعادة لصياغة البيئة بتمرد لطيف، تتمثل في النوافير ،والنباتات ،وملء الحيز بالاشكال

.... الامتلاء .....
يحقق نزار إلى جانب الموسيقى ووحدة العمل، الشاعرية عندما يقول:
" صوتك يهوي إليَّ ..
دفيئًا ، مليئًا ، قوي ...
كصوت ارتطام النجوم ..
كصوت سقوط الحلي " ....
موظفا انفعالاته وانفعالات القارئ السابقة تجاه ما أدركه بحواسه مستخدمًا مؤشرات فيزيائية (طبيعية) .الحرارة/دفيئا ، الحجم/ مليئا ، القوة / قوي...
وهو يصف ظاهرة طبيعية أيضا هي الصوت ، ويفتتح بها المقطع مستميلاً ذاكرتنا السمعية بكلمة صوتك ، ويستخدم مؤشرات فيزيائية (طبيعية) أيضًا وهذا قمة التجانس ووحدة العمل... وقد يكون صوت الارتطام مليئًا وقويًّا أما دفيئًا فبالتأكيد يلحقها لتجارب يوحي بها اشتراطًا صوت الحلي.. وهذا التداخل في طبيعة النص أي في معانيه يتناغم مع طبيعة الظاهرة ،فطبيعة الصوت موجات ،تدرك متداخلة أو منفردة وتأخذ بتداخلها دلالات فرعية.. هذه القطعة نموذجا لعالم من الشاعرية اسمه نزار قباني ،يدغدغ القلب ليستقر في الوجدان بثقة برغم مواضيعه الغريبة،لماذا؟ إنها لغته ، وشاعريته بالذات ، والتي أحد محققاتها توظيف الظواهر الطبيعية لتعبر عن ذواتنا ، وهي اتجاه آخر بخلاف وصف الطبيعة وإن لا يتعارض معه، وإن أعتمد نزار ذكر المؤشر الظاهري عينه ، فإن حسن السوسي لا يذكره بل يشير إليه : "كبرت حتى كأن الكون يصغر بي، وطلت حتى كأن النجم داناني..".
ويقول في قصيدة أخرى "ضقنا عن الكون حتى لم يسع أحدا من غيرنا في حسابات حسبناها" وإذ يكتفي قباني بذكر الامتلاء فإن السوسي يكبر إلى أن تحقق ذاته امتلاء للكون...
والإحساس بالامتلاء هو أحد أقدم الأحاسيس ويناظره الإحساس بالضيق وهما مترابطان ذهنيا ويرجعان لدنيا الرحم حيث يشعر الإنسان بالحركة المحيطة به(حركة السوائل) والتي تمثل حركة أمه، والتي تترجم إلى إشارات عصبية، ووقتها تكون الوظيفة الفسيولوجية الوحيدة هي أن يملأ ويفرغ ما عنده من دم
( هواء وغذاء)، وهذا السلوك يستمر مرتبطا بإدراك الإنسان حتى آخر لحظاته . ويرتبط الامتلاء شرطيا بالرضى ويصبح المطلب الأول للرضيع الشبع، ثم يكبر وتكثر طلباته ونلومه قائلين" لا يملا عينه شي ..!"، ونقصد بعينه ذاته ، أو نفسه وكما يوصلنا الامتلاء للرضا فالعكس صحيح وهذا يفسر انفتاح شهية السعداء، وقد نفرح و لا يسعفنا ملء البطون فنملأ رئتينا لحظيا بالهواء ونتنفس الصعداء .
ماذا افعل أأشوِّه الشاعرية بتحليلها إلى قواعد ، أأقيد الأحلام؟
لا فهذه ليست قواعد هذه محاولة لوصف الملامح، والإبداع ليس أوهامًا ، الإبداع هو الحقيقة عينها "الحب والخير والجمال ،حقيقة واحدة" ومقاربتنا لتحليله ليست منهجةً له لأن حتى نحن لا نحدد ما سيصدر عنا تمامًا ، ولن أعبث بجدليات الثابت والمتغيِّر فسبحان الذي يغيِّر ولا يتغيِّر، والبعض يرى لفظة شاعرية لفظة فضفاضة غير واضحة وأراها "قدرة العمل على التأثير في شعورك، والذي يرتبط بدوره بحواسك (السمع ،البصر،الشم، التذوق،التوازن )، وخبراتك الحسية الفسيولوجية المتأثرة بالظواهر الطبيعية حقيقة ومتغيرات"...
وأقصد بالحقيقة الظاهرة عينها (حرارة، حجم ، حركة ، مغناطيسية)..
وأما المتغيِّرات فسأعطي أمثلة لبعض متغيِّرات كل ظاهرة :
حرارة( برد ، دفء ،احتراق) ،
حجم (ضغط ، ضيق ، حصار ، اختناق ، ضياع ، امتلاء ، فراغ) ؛
حركة ( التفاف ، دوران ، تردُّد ،اقترابٍ ، سكون ، بعد ،اهتزاز) ؛
مغناطيسية ( تجاذب ، سقوط ، تأثير)
وهكذا فجلُّ مشاعرنا توصف من خلال الظواهر ، وصدق المبدع هو الذي يفتح الطريق بين قلبه وإدراكه ومن ثم تعبيره فيبوح قلب ليعي قلبا أخر.بانسيابية وبساطة تصعب على الكثير.
والتعبير عن الظاهرة ليس لفظيًّا فقط ، بل يتشكل بحسب نوع الفن المشتغل به.
ففي العمارة تأخذ النسبة بين الفارغ والممتلئ لغة خاصة بكل مبدع وبكل ثقافة ، فالمشربية في الثقافة العربية (سمة ) ومادتها التجاور بين الفارغ والممتلئ، وتساوي النسب ، في حين تحدد نسب التفريغ من خلال الفتحات للواجهة طابع الواجهة ودلالتها ، ويتجاوز علم (الجستالت) النسبة للإشارة لشكل الفتحة متحسِّسًا رد الفعل تجاه غياب الامتلاء (التفريغ)...وتتميز الزخرفة الإسلامية بامتلاء الحيز وتفريغ العناصر، والامتلاء يكون الأصل والتفريغ هو خلافه، وقبل أن أملأ حيزًا ما بالتفاصيل سواء كان حيِّزًا في فستان أو لوحة أو واجهة مبنى أو ركن في غرفة أو مشهد سينمائي ، أو مسرحي ، علي أن أسأل نفسي ما الذي سيقوله الامتلاء.. ؟
هذا النوع من الأسئلة عندما أتعوَّده ، أي أن أسأل عن كل ظاهرة ماذا تعني لي ولغيري وكيف سأوظفها وأتحسَّس أثرها مع ذاتي فأني سأكون مستعدًّا لإخراجها تلقائيًا أثناء عملي.
يوضح الدكتور مهدي امبيرش مفهوم الامتلاء في الألفاظ ( الأسماء) في كتابه رؤى في الأدب والثقافة فيقول تحت عنوان الألفاظ الممتلئة "إذا ما نقول حاتم الطائي مثلاً حتى يبرز الكرم متجلِّيًا فيه ، بالطبع فإن التجلي هو ليس مطلق الكرم إذ لا يتجلَّى المطلق في الجزئي ولكن جزء حاتم الطائي كان ممتلئًا "...
وأنوِّهُ هنا أن امتلاء اللفظ أو اللوحة أو المشهد ليس أحاديًّا إلا في الرموز المجردة ، إلا أن غنى تجربة الحضور والتلقي يحتم تعدد جوانب الواحد وثراءه، وذاته -تعالى عن التمثيل والوصف- أجل برهان، فبالرغم أنه الواحد إلا أنه الرحمن والعظيم و، و، و، إلى بقية أسمائه ، فتعدُّد الامتلاءات في إطار الواحد يغنيه.
وجمال الروح الذي هو مادة الإبداع والتلقي يتجلى بكثافة في الإنسان وبتماهي في الطبيعة ، وتتكثف الدلالات في تناول الموضوع الإنساني المباشر عن الموجودات الطبيعية الأخرى لأن أشبه شيء بالإنسان هو إنسان آخر، وهذه ليست شهادة قيمة، وإنما إشارة لوضوحه كمؤشر،لذا فتذوق البشر هو خطوة أولى لتذوق الوجود"وفي أنفسهم أفلا ينظرون" .
وفي وصف الإنسان وتذوقه يقدم التراث العربي وصف لبدوية ذواقة هي أم معبد الخزاعية ،حيث تصف الرسول الكريم حين مر بخيمتها مهاجرا مع صاحبيه "رجل ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه تجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشعاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطح، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن ، ربعة، لا تقحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود، محشود، لا عابس ولا مفند."...
ومحشود يعني كأنه في حشد ، أو كما وصفه أصحابه عليه الصلاة والسلام "كان فردًا في جماعة وجماعة في فرد".
ولعل الامتلاء برغم وضوح معناه كمؤشر إلا إن تحقيقه كمتطلب إبداعي صعب،لأنه يشترط امتلأ حقيقيا للمبدع ينسكب في عمله ،فكل إناء بما فيه ينضح وفاقد الشيء لا يعطيه.

الأحد، 16 مايو 2010

سيرة خابية..نقلا عن موقع درعا للتراث.. سوريا

البكسة والجرة


الطوس الى اليمين والخابية

لطعم الماء من "خابية الفخار" نكهة مختلفة
صفاء الحشيش الأحد 28 حزيران 2009
الفخار.. الصناعة الأولى التي خطت البشرية أبجديتها الأولى عليها.. فكان ذاكرتها التي تستحق أن نقف عندها نقلب صفحاتها فنجد الإبداع والابتكار الذي يجدر بنا أن نتذكر دائماً أنه لا يعني حداثة وتقانة اليوم فحسب، فلكل عصر تقنيته ولعل أجملها تلك التي استند فيها الإنسان إلى صديقته الطبيعة الأم، وكذلك هو الفخار الذي ننظر إليه اليوم كصناعة تراثية جميلة حيث كان يصنعه أسلافنا يدوياً في بيوتهم اعتماداً على ما جادت به الطبيعة.

موقع eDaraa التقى السيدة "عائشة المسالمة" (أم عساف) من منطقة "درعا- البلد" في 25/6/2009 والتي زودتنا على بساطتها وكبر سنها بالكثير من المعلومات عن الآنية الفخارية التي نعرفها باسم "الجرة" فيما أصرت الحاجة "عائشة" على تسميتها "بالخابية" حيث تقول: «كنا نصنعها في البيت يدوياً بأحجام مختلفة ويتبع ذلك الغرض من استخدامها، فالآنية الفخارية الكبيرة الحجم تعرف باسم "الخابية" ويوضع فيها الماء للحفظ والتبريد ويتبع حجمها أيضاً حجم الأسرة من حيث عدد أفرادها وحاجة أهل البيت للماء، في السابق كانت "الخابية" تعبأ بشكل يومي من قبل صاحبة البيت بالماء الذي تجلبه من عين الماء أو النبع بواسطة القربة، في بعض الأحيان وعلى الأغلب كانت تجلب الماء بواسطة الوعاء المعدني المعروف باسم "السطل" وكانت "الخابية" تتسع ما بين ستة إلى أربعة عشر سطلاً حسب حجمها وسعتها، تعبئها فجراً ويشرب الجميع منها، وكان الماء يعبأ من "الخابية" بواسطة كأس خشبي يسمى "بالشفشق" وكان هذا الوعاء دائماً يربط بخيط إلى يد الخابية. وبالمناسبة فإن المرأة التي تعبئ الماء تسمى "بالدوارة" وهذه "الدوارة" عليها أن تقوم بأعمال البيت من تنظيف وطبخ وتعبئة الماء، ثم تسلم هذه المهمة إلى امرأة أخرى من البيت في اليوم التالي، وكانت هذه "الدوارة" أيضاً تقوم بتنظيف "الخابية" بعشبة "الخبة" وهي عشبة طيبة الرائحة».وتضيف السيدة "عائشة" عن أدوات فخارية أخرى ولاستخدامات متعددة فتقول: «الشكل الآخر للآنية الفخارية يسمى "بالبيطس" هو أيضاً آنية فخارية كبيرة الحجم تصنع لحفظ السمن العربي. وهناك أيضاً "الطوس" الفخاري الذي كان يستخدم لترويب اللبن (صنع اللبن).و"البقسة" آنية فخارية صغيرة الحجم كانت تصنع لطهو الفول حيث كان يشكل الغذاء الأساسي، وقد كانت المرأة تعبئها

وتضعها على أطراف الفرن الأرضي الذي كانت تصنعه النساء أيضاً من نفس مواد صناعة الجرار، وكان يستخدم للخبز ومن مميزات هذا الفرن أنه في كل مساء تقوم "الدوارة" بتغطية جوانبه بالتبن ليبقى محافظاً على حرارته حتى صباح اليوم التالي،وكن يستفدن من هذه الحرارة المخزنة بإعداد وجبة الفول لصباح اليوم التالي حيث تقوم الدوارة بملء البقسة بالفول والماء وطمرها في التبن الموضوع على جوانب الفرن وتغطي فوهتها بقطعة قماش، ومن ثم تغطى بغطاء فخاري وتترك على الرماد أو الجمر حتى صباح اليوم التالي ليكون بذلك قد استوى».وأما عن طريقة صنع الخابية فتقول السيدة "عائشة": «إن مكونات الفخار عبارة عن تراب أحمر ونبات الطريش والنقارة (والنقارة عبارة عن الحجر الأزرق المطحون بالطاحونة) وقطعة من كيس كتان أحمر مدقوق، تخلط هذه المواد جميعها وتجبل سوياً ثم تصنع من الخليط قاعدتها، وذلك حسب الحجم المرغوب وتترك لليوم الثاني، ثم تضع النساء كيساً من التبن في القاعدة، ومن ثم يوضع المخلوط على كامل الكيس فتأخذ "الخابية" شكلها ويترك لها من الأعلى فتحة لسكب المياه، في اليوم التالي تقوم النساء بسحب التبن الذي أصبح داخل الخابية ثم يقمن بترميم "الخابية" من الداخل والخارج لتأخذ شكلها النهائي، في اليوم التالي توضع "الخابية" في حفرة عميقة بعد أن نكون وضعنا في أسفلها التبن ومن فوقها أيضاً وعلى الأطراف، توقد النار حتى تشوى وتبقى في الرماد مدة يومين، كنا نعمل من الفخار أيضاً "الفرنية" لصنع الخبز التي كانت تصنع من ذات مادة الفخار، حيث كانت النساء تختار المكان المناسب لصنع الفرن أو "الفرنية" ويفرش هذا المكان بالبحص المطحون ثم يوضع المخلوط فوق البحص بشكل دائري، ويترك
لليوم التالي حتى يجف، وفي اليوم التالي يبدآن بصنع جدار دائري على القاعدة التي تم صنعها في اليوم الأول، وهكذا كل يوم حتى تأخذ الفرنية الارتفاع المناسب لها».ولعل الارتباط الشديد بين الفخار وبين ذاكرتها جعل السيدة "عائشة" تصرح بمكنوناتها: «بالنسبة لي أتمنى لو أن أيام "الخابية" ما زالت موجودة، فذكرياتنا معها جميلة، ولطعم الماء فيها نكهة أخرى، لا ننكر أن التقنية الحديثة المتمثلة بالبراد قد جلبت الراحة، ولكن لذاك الماء طعم لا ينسى. ونحن نرى اليوم أن هذه "الجرار" أصبحت تصنع بأشكال وألوان لتوضع كزينة في بعض البيوت».وحيث إن "الجرة" المتوسطة الحجم المصنوعة من الفخار كانت وثيقة الارتباط بالينابيع وعيون الماء كانت تردد الأغاني الشعبية على "الجرة" ومن هذه الأغاني يردد المطرب الشعبي "محمد فتوح" على أنغام صوت الناي مع العازف "عماد العمري":«ويل ويلي والله لعَبّي الجرة من ميتك ياسيلي ويل ويلي شوقي راسو واجعو.. ويل ويلي ريت الوجع لراسيواردة على بير المي ويل ويلي اتهموني واتهموك وان حلفوك على المصحف احلف ولاترميني».وبالعودة للتاريخ نجد أن الفخار قد سجل حضوراً قوياً بل كان مادةَ خامٍ أساسية، وعن أهمية تصنيع الفخار قال الآثاري "ياسر أبو نقطة" لموقع eDaraa:«إن مادة الفخار مصنعة من التربة الغضارية الناعمة والخالية من التراكيب الزجاجية كالكوارتز والسلكيات، وتكون مادة الفخار مشوية بالمواقد المكشوفة أو المغلفة تحت درجات حرارة عالية أو متوسطة لا تقل عن /600/ درجة، والتي ينتج عنها نوع من الآنية الفخارية بألوان متنوعة تتبع نوع التربة ودرجة حرارة الشي، وتتميز الآنية بجسمها غير النفوذ لما يحويه من السوائل.وكان الظهور الأول للفخار في منطقة شمال "سورية" حيث ضمت النماذج الفخارية الأولى، وعلى هذا الأساس تعتبر "سورية" الموطن الأول للفخار وتحديداً في منطقة "تل الجديد" وذلك في مطلع الألف السادس قبل الميلاد وهي تعود للمرحلة المسماة "العمق آ" ولابد من الإشارة إلى أن الأبجدية الأولى كتبت على لوحات فخارية وأن الفنون الأولى وتماثيل الرب الأم والخصب المتجدد كانت من الفخار الذي مثل الصناعة الأولى "الجرار"».ويضيف: «إن الخوابي الكبيرة الحجم كانت تستخدم بشكل عام في عملية تبريد وتكييف الجو داخل البيوت من خلال وضعها بعد ملئها بالماء تحت النوافذ، وذلك لتبريد تيارات الهواء التي تمر من فوق الخوابي المشبعة بالرطوبة مما يؤدي إلى تبريد التيارات وتوزيعها داخل البيوت والغرف، وبالتالي حدوث عملية تكييف طبيعية».

الجمعة، 14 مايو 2010

في الفن والذوق

مصاطب غدامس"مثال للملائمة والبساطة"
تاخذ الاقواس مكانها وحجمها تبعا للوظيفة"وهذا معنى الملائمة فراغيا"

الانسان"حركته ،مستوى نظره، حجمه،علاقاته وقيمه"معايير تحديد نوع وحجم ومكان العنصر فراغيا.
..............................


"بالنسبة للفنان يختفي الفن تحت قليل من العشب ، وبالنسبة للشخص العادي يختفي الفن تحت جبل" حكمة تركية....

"يعني العقل بالحقيقة ، وتهتم الأخلاق بالواجب ،أما الذوق فأنه يوصلنا للفن" إدغار..

ونتساءل ما الذوق...؟

الذوق أو الذائقة التي يجب أن يملكها الفنان، وبحسب رصيد المتلقي منها يكون تفاعله مع العمل... وهل يتعارض الذوق مع العقل والأخلاق ، يجيبنا غوته قائلا "الحرفي يعمل بيديه، والمهني بعقله ، والفنان بقلبه وعقله ويديه".إذا الذوق هو صفة ذاتية - سواء قصدنا بهذا ذات الفرد أو ذات المجتمع_- لدخول القلب كطرف فيه ، والقلب هو ما يميز الذات ،يقول النبي صلعم "إن الله لا ينظر إلى صوركم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ، أي أن التقييم "ذاتي" لان القلب واحد فقد يكون لأحدنا عدة عقول ولكن وكما يقول الحق "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" ( الأحزاب 4)... إذا فمقر الفن والذوق الذي يمكنا من التنعم بالفن هو القلب.. وهذا لا يعني أن الذوق هو الهوى ، وإنما هو خلاصة قلوبنا (ذواتنا) في حين الهوى هو جزء منها.. وهذا ما قصده لاروشفوكو حين قال"قد يمنح القلب عقلا بيد أن العقل لم يمنح قلبا قط".... ولكن هل الفن هو خلاصة الذات البشرية...؟ أهذا ما تريدين إيصاله لنا..؟ أخلاصتي أنا هي قصيدة أو أغنية أو مسرحية..؟ وإن كنت لا أحب الشعر أو لا أسمع الأغاني ولم أشاهد مسرحا قط ، ألست بشرا في تقييمك..؟ طبعًا ليس هذا قصدي ، وهذه المفارقة بين الفن وتذوقه هي ما أردت إيضاحه وأقصد بالذوق هو موقفك الذاتي من العمل الذي هو ذاتيٌّ بالضرورة بالنسبة لصاحبه.. أي رفضك وتقبلك هما موقفك الذاتي الذي يحدده ذوقك..ثم إن الفن ليس فقط الأغاني أو الشعر أو غيرها مما نتوقع انه قائمة الفنون،وإنما الفن أي إشارة للجمال ممكن أن تستقبلها حواسك ويبقى موقفك منها عائدا لذوقك .

أي أن كل عمل جميل هو فن إذا قدمته بعقلي وقلبي ويدي أو لنعدل الأخيرة ونقول بعقلي وقلبي وجسدي. لأن الجمال قد يكون صوتًا أو إيماءة أو رقصة.. إلخ.ولكن كيف أصل للجمال، للفن، كيف أقراه أو اصنعه، ما هي أدواته إن كان عملا، وما ملامحه إن كان إحساسا..؟

تحظرني مقولة لشاتوبريان "الفن هو الأسلوب والأسلوب هو الإنسان".إذا ليكون لي أسلوب في القراءة (التلقي) وأسلوب في العمل(الإبداع) ،ولكن ما الأسلوب...؟ فسر الماء بعد الجهد بالماء..!!!!الأسلوب هو المنهج الذي اتخذه لتفكيري أو عملي، وهو نتاج القواعد التي اخترتها بناء على تجارب سابقة أي إن المعارف التي احملها ما لم تنعكس في سلوك تبقى معرفة ولا تتحقق كثقافة أو أسلوب،"رب حامل فقه لا فقه له" يقول تعالى"إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا" ولم يكتفي بذكر الإيمان لان التحقيق بالسلوك سبب للتطوير،بخلاف العقائد فهي لا تنمو، والسلوك سبب لترسيخ المعارف فالاشتغال بالجمال ينميه وكذا العلم"خيركم من تعلم العلم وعلمه" .وأما ملامحه فعديدة وسأحدثك عن أهمها وأوضحها وهو ( الملائمة ) وهي وضع كل شيء في مكانه المناسب وزمانه المناسب"لكل مقام مقال" وهي من أهم معايير الجمال وأولاها وأضمنها للتأثير في المتلقي ، وهي تعتمد علي خبرتك بالأدوات ومعرفتك بالموضوع لتقدر، يصف تعالى بديع صنعه فيقول"الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى" (\لأعلى2،3.).."وقد جعل ربك لكل شيء قدرا" وقيمة هذا التقدير بملاءمته للحال، ويبدو هذا واضحا في الفنون التطبيقية حيث تتصدر الوظيفة أو الاستخدام مؤشرات الملائمة، ففي الأزياء مثلا، زيي النوم الجميل أهم صفاته انه يناسب النوم بحيث اشحذ متطلبات النائم وأحاول تحقيقها في الزي، ونحن نعتبر السيارات الجميلة هي التي تحقق( الثبات، الراحة، التوفير،السرعة، القوة،الخ) والشكل هو الذي يوحي بوجود هذه الصفات ويكون جميلا بقدر ما كان معبرا،حتى الأشخاص نحن نشعر بجمالهم كلما تأكد لنا مدى توافق مظهرهم مع سلوكهم، ولعل ما افخر به كإنسانة ليبية هو إن سمة الفن الليبي الشعبي هي الملائمة وتتضح في العمارة حيث تتوضع الطاقات والفتحات في متناول يدك هكذا بكل رفق تقول لك أنا هنا حيث تريد حيث يلائمك، وتأتي معايير الجمال الأخرى بعد راحتك..!ولعل مدن الصحراء وأشهرها غدامس نموذجا لتصدر الملائمة للأسلوب الليبي حيث تراعي البيئة والحركة والمعايير الاجتماعية وحجم الإنسان ،وتستقبلك المصاطب والأقواس بحفاوة تشعرك كم أنت مهم وقيم.. أليس هذا قمة الجمال..

يكاد يخلو الفن الليبي من الزخرفة ويعتمد الاختصار والمباشرة والتي يعتبرها البعض عيبا إبداعيا،وهذا مما أثرت به ثقافة الغرب علينا حيث يصبح الغموض والإرهاق الذهني هدفا للمبدعين وكأننا نتبارى في تعذيب المتلقي وكان قمة سعادتنا أن نشعره بالعجز لنوصل رسالة خفية فحواها (صقع عليك).!!!

والثقافة العربية من أهم خصائصها المباشرة والوضوح (البيان) ويكون الشيء جميلاً كلما كان واضحا فنحن نصف أنت قمر، أنت شمس،"أنت نجم والملوك كواكب"، أنت علم، وعلى ذكر العلم فغناوة العلم هي الجنس الأدبي الخاص بالليبيين والذي يأخذ قيمته من اختصاره ووضوحه وشموليته وهذا هو تعريف البلاغة،"البليغ الفصيح يبلغ بعبارته كنه ضميره"مختار القاموس....

وعند اعتماد الملائمة كسمة أسلوبية يجب أن يرافقها الاختصار والمباشرة حيث تتحقق البساطة، والبساطة ليست الفقر فقلة العناصر في التكوين تعد فقرا في غياب الملائمة أو الدلالة، أما مع الملائمة فهي بساطة،ومع الدلالة فهي تجريد... وهذا اتجاه يقابله اتجاه آخر هو الثراء وهو ما يتأتى مع كثرة العناصر المترابطة والتي بينها نسقا، أو عدة أنساق متناسقة ،وهو بخلاف كثرة العناصر غير المترابطة (الفوضى) إلا أن بعض الفوضى المنسقة وفق فكرة واضحة تصبح رموزا ثرية.والنسق ليس بالضرورة متوالية هندسية أو حسابية ،فقد يكون مفهوما عقليًّا أو وجدانيًّا...وعلى النسق المؤكد حضوره كحد أدنى في كل عمل هو ذات المبدع ، وهي التي نفتقد بغيابها الفن في العمل..


السبت، 8 مايو 2010

ملامح الهوية الثقافية لمدينة بنغازي ( قراءة وتأصيل)..


1/ تاثير الموقع كمكون ثقافي للمدينة .. (وسائل النقل كمؤشر).
.......................

يابابور الغالي وينه...؟
تغنّى الكثير بوسائل النقل، ربما لأنها أداة للتواصل كما اللغة، وربما لأن بعضها يصدر أصواتا تخترق سكينة تأملاتنا فتهزنا وتوقظنا من أحلامنا وتداعبنا بشحنة من الحيوية
ولكل منا قراءته، فقد يجد كل متأمل أكثر من ربما…وأكبر ربما تحضرني الآن، أن أداة النقل شيء يحتوينا، يتوحد معنا كتليا في زمن الانتقال، ألم يكن سر سكينتنا الأول هو حضن أمنا الذي يحتوينا و ينتقل بنا من مكان لآخر ..وبشيء من التعمق نجد أن استيعابنا للحياة يرجع دائما لدنيا الرحم وإدراكنا لوجودنا فيه ومن خلاله…هكذا فكل شيء يحتوينا ويهزنا يعد حميما لأنه يستخدم أكبر وأول لغة بين البشر
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}
من سورة الإسراء- الآية (70)
ونحن نطلق تعبير “إيزازي ب” على من يبذل كل أوجه الاهتمام والعناية وهي في الحقيقة صفة لفعل الأم الأول في بعث الرضا لصغيرها..”هبلة تاريك.. ورا غاليك.. اتقول عيل وانزازي بيك”…!ولعل هذا يقودنا للتسليم بأن قيمة المحمول من قيمة الحامل..والتسليم بأن الاحتواء هو صورة جامعة للامتلاك والانتماء في نفس اللحظة، ويدعونا هذا للتأمل في قول الحق..
( وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ) الآية 22 من سورة المؤمنون
ألا يحمل البحر الفلك فهي منه، ثم ألا تحملنا هي فنحن منها.. ومن ثم فنحن من البحر، ثم نقول نحن أسياد البحر…!..ونعني طبعا أنه سيدنا ولا يهم في حالة التوحد أي التعبيرين تقول فكلاهما لذيذ وحقيقي…والبدوي في التراث الليبي تغنى بالإبل ، وعبد الوهاب وغيره من سكان المدن تغنوا بالقطار“الوابور”وتحفل الأغاني الشعبية الليبية بذكر كل أنواع السيارات وبدلالتها على شخصية راكبها وهويته ومكانته، فقيمة الرسالة من قيمة الرسول والعكس.. وقد اصطفى الله رسله وأعز حبيبه بالبراق.. وعليه فإن تأصيلنا لملامح فن ما يقودنا لدراسة المركوب الذي يعتبر مؤشرا للبيئة والثقافة والمزاج أيضا…وباسترجاع الذاكرة البنغازية باختلاف حقولها نقف على صاحب النصيب الأكبر في وجدانها “البابور”وهو ليس الوابور المصري” القطار” وإنما هو اسم الباخرة حاملة البضائع أو الركاب، ولنذكر مثلا “يا بابور الغالي وينه” ،،”بابور امرسي ع المينا.. مليان حكاكي سردينة” ،،”عد غلا.. بابور مشى..شور ابلاده،شور المينا”…..الخ مما يعرفه سكان المدينة ويحفظه…
ترى ما يعني هذا..بقراءتي الخاصة أعتبر البحر أهم مكون ثقافي لساكني بنغازي وأراها أشبه بمدن المتوسط الأخرى من بعض المدن الليبية كغيرها من المواني فالإسكندرية مثلا تشبه بنغازي أكثر من “سيوه”، بينما بنغازي تشبهها أكثر مما تشبه “غدامس أو أوجلة”…و( تشبه) هذه في كل شيء وليس فقط في مخطط المدينة بل تتعداه للبيوت والساحات وطباع الناس وفنونهم،ففي الموسيقى مثلا تعتبر الغيطة هي لون الغناء الذي تتميز به “بنغازي” وباستماعك للزفة الإسكندرانية تجد نفس الإيقاعات وأسلوب الغناء الذي يشكل فيه محورا مهما وجود شخص ينادي أو يتساءل وآخرين يجيبونه، و لك أن تعرف أن لعبته الأولى كانت قوقعة كبيرة يغني فيها فتجيبه صدى..!…فيقف في وسط المجموعة بعد أن يقتحمها بصوت“هااااي…وينادي الجماعة” قولوا امعايا”…ويجيبونه“أيش أنقول..؟” وتستحضر بوقفتهم وتناديهم مشهد الريس وبحارته حيث يقودهم ويعتمد عليهم ويؤمن بهم..وتسمعه في موقف آخر يناديهم“هيا ارجالي” مما يعكس روح الجماعة،وتكثر في الغيطة والأغاني البنغازية عامة أصوات من مثل هاي هاي،هيا هيا، ياهو ياهو” وهي نفس أصوات البحر البيروتية “هيلا هيه”كذلك سمات شخصية ابن البحر وأهمها الانفتاح وتقبل الآخر ونحن نسمي بنغازي“رباية الذايح” وهذا يفسر كثافة العمل الأهلي والاجتماعي المؤسساتي وليس القبلي “العرقي” فيها ويفسر رياديتها في هذا المجال ،ويفسر تمسك غير الليبيين بالإقامة فيها لشعورهم بالانتماء، ووجود كل القبائل في بنغازي مما يشكل فسيفساء بديعة من التشكيلات الإنسانية ومما يثري الثقافة والذوق، وكذلك الجرأة فابن بنغازي “البنغازينو”* أول المتحدثين وأعلاهم صوتا وأكثرهم فظاظة باستخدامه ليديه وعضلات وجهه وقد يستنكر عليه الآخرون هذا السلوك ، فلو عرفوا ربطه بين الحركة والكلام في تعبيره لعذروه، لأنه متأثر بالبحر ذلك المخلوق الذي يطرح تساءله الدائم “تستحضرني بحركة أمواجي أو بصوتها…؟ و هل تتقبلني أو تعرفني بدون صوت أو حركة؟”..والبنغازينو أيضا أوضحهم لغة وأسرعهم كلاما وصاحب المبادرة بينهم…فهذه أخلاق أهل البحر في كل الدنيا - مع مراعاة الفروق الفردية طبعا - وابن البحر تاجر بطبيعته وابن الميناء بالذات وتاجر تعني مغامر ومسافر ويشحنه القلق… ولهذا السبب فالمساحات المخصصة للاستعمال التجاري تعد دائما أقل من المطلوبة ويتم تجاوزها….وبنظرة لزاوية أخرى فإن التشكيل والذاكرة البصرية يتأثران بالبحر وتأخذ ألوان الأسماك والأحجار الكريمة الصدارة وجميعنا يدرك أحقيتها بالصدارة ففي الزيّ الشعبي مثلا نجد أردية مثل “سورية الشلبي”،”ردا البوشية” وهي أسماء لأسماك، وبدوري كمعماري ووفقا لهذا أجمع بين درجات “البيج” الترابي والأزرق الهادي والأخضر لأرضي زبوني “ولد البلاد”…وأتمادى للشفافية واللون الأسود المسيطر مع بقع من ألوان مشعة كالأصفر أو الأحمر هي أيضا من البيئة البحرية وكذلك استخدام الزجاج الملون المموه بألوان غامقة والموشح بوهج فاقع.. ولكن في مناطق أكثر غوصا ومع شخصيات أكثر ثقافة لونية.. والزجاج الملون هو انعكاس لانفعالنا الأول تجاه البحر،اقرأ معي هذا النص..

(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الآية 44 من سورة النمل
وبالمناسبة فالأزرق الفاتح يسمى في مدن أخرى سمائي وفي بنغازي “فيروزي” تأثرا بالبحر…!.ولو عرجنا على الأدب قليلا واسترجعنا قصص الحوريات والبحارة وكثافتها عند كتّاب بنغازي لوضعنا البحر أيقونة تعريفية بديلة لأيقونات المدينة ورموزها الثقافية..
أحبابي…ماذا أتمنى أن أرى..أتمنى أن يعبر العمل عن بنغازي ويشبهها وجدانيا لا أن يشبه مبانيها الإيطالية أو يشبه عمارة “غدامس” أوغيرها من المدن فلكل خصوصيته، وهذا طبعا مع اعتزازنا بغدامس وجمالها وأصالتها… أتمنى على المشتغلين بالفنون - والبصرية منها بالذات- إعادة النظر لمفهوم التراث أو الهوية ومفهومي التقليد والاقتباس… فقبل أن نتأسى بالمحيط بنا من أعمال ومفاهيم لنتأسى بمعطيات البيئة التي أنتجت هذه المنجزات وقبل أن نتحدث عن ملامح الخصوصية في أعمالنا لنبحث عنها في وجداننا…

جزء من دراسة “إنثربولوجية- فنية” لتأصيل الهوية الثقافية سبق نشرها في صحيفة قورينا

http://www.al-ijdabi.com/artical_show.php?ArticleID=930

الجمعة، 7 مايو 2010

الزوار الكرام

مرحبا بكم في مدونتي اعدكم بحفظ ما خبئتم فيها من اهتمام...اتمنى ان تحتفظ قراتكم لي بطزاجتها وان تتنكه كتاباتي بذائقتكم...