مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الجمعة، 14 مايو 2010

في الفن والذوق

مصاطب غدامس"مثال للملائمة والبساطة"
تاخذ الاقواس مكانها وحجمها تبعا للوظيفة"وهذا معنى الملائمة فراغيا"

الانسان"حركته ،مستوى نظره، حجمه،علاقاته وقيمه"معايير تحديد نوع وحجم ومكان العنصر فراغيا.
..............................


"بالنسبة للفنان يختفي الفن تحت قليل من العشب ، وبالنسبة للشخص العادي يختفي الفن تحت جبل" حكمة تركية....

"يعني العقل بالحقيقة ، وتهتم الأخلاق بالواجب ،أما الذوق فأنه يوصلنا للفن" إدغار..

ونتساءل ما الذوق...؟

الذوق أو الذائقة التي يجب أن يملكها الفنان، وبحسب رصيد المتلقي منها يكون تفاعله مع العمل... وهل يتعارض الذوق مع العقل والأخلاق ، يجيبنا غوته قائلا "الحرفي يعمل بيديه، والمهني بعقله ، والفنان بقلبه وعقله ويديه".إذا الذوق هو صفة ذاتية - سواء قصدنا بهذا ذات الفرد أو ذات المجتمع_- لدخول القلب كطرف فيه ، والقلب هو ما يميز الذات ،يقول النبي صلعم "إن الله لا ينظر إلى صوركم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ، أي أن التقييم "ذاتي" لان القلب واحد فقد يكون لأحدنا عدة عقول ولكن وكما يقول الحق "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" ( الأحزاب 4)... إذا فمقر الفن والذوق الذي يمكنا من التنعم بالفن هو القلب.. وهذا لا يعني أن الذوق هو الهوى ، وإنما هو خلاصة قلوبنا (ذواتنا) في حين الهوى هو جزء منها.. وهذا ما قصده لاروشفوكو حين قال"قد يمنح القلب عقلا بيد أن العقل لم يمنح قلبا قط".... ولكن هل الفن هو خلاصة الذات البشرية...؟ أهذا ما تريدين إيصاله لنا..؟ أخلاصتي أنا هي قصيدة أو أغنية أو مسرحية..؟ وإن كنت لا أحب الشعر أو لا أسمع الأغاني ولم أشاهد مسرحا قط ، ألست بشرا في تقييمك..؟ طبعًا ليس هذا قصدي ، وهذه المفارقة بين الفن وتذوقه هي ما أردت إيضاحه وأقصد بالذوق هو موقفك الذاتي من العمل الذي هو ذاتيٌّ بالضرورة بالنسبة لصاحبه.. أي رفضك وتقبلك هما موقفك الذاتي الذي يحدده ذوقك..ثم إن الفن ليس فقط الأغاني أو الشعر أو غيرها مما نتوقع انه قائمة الفنون،وإنما الفن أي إشارة للجمال ممكن أن تستقبلها حواسك ويبقى موقفك منها عائدا لذوقك .

أي أن كل عمل جميل هو فن إذا قدمته بعقلي وقلبي ويدي أو لنعدل الأخيرة ونقول بعقلي وقلبي وجسدي. لأن الجمال قد يكون صوتًا أو إيماءة أو رقصة.. إلخ.ولكن كيف أصل للجمال، للفن، كيف أقراه أو اصنعه، ما هي أدواته إن كان عملا، وما ملامحه إن كان إحساسا..؟

تحظرني مقولة لشاتوبريان "الفن هو الأسلوب والأسلوب هو الإنسان".إذا ليكون لي أسلوب في القراءة (التلقي) وأسلوب في العمل(الإبداع) ،ولكن ما الأسلوب...؟ فسر الماء بعد الجهد بالماء..!!!!الأسلوب هو المنهج الذي اتخذه لتفكيري أو عملي، وهو نتاج القواعد التي اخترتها بناء على تجارب سابقة أي إن المعارف التي احملها ما لم تنعكس في سلوك تبقى معرفة ولا تتحقق كثقافة أو أسلوب،"رب حامل فقه لا فقه له" يقول تعالى"إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا" ولم يكتفي بذكر الإيمان لان التحقيق بالسلوك سبب للتطوير،بخلاف العقائد فهي لا تنمو، والسلوك سبب لترسيخ المعارف فالاشتغال بالجمال ينميه وكذا العلم"خيركم من تعلم العلم وعلمه" .وأما ملامحه فعديدة وسأحدثك عن أهمها وأوضحها وهو ( الملائمة ) وهي وضع كل شيء في مكانه المناسب وزمانه المناسب"لكل مقام مقال" وهي من أهم معايير الجمال وأولاها وأضمنها للتأثير في المتلقي ، وهي تعتمد علي خبرتك بالأدوات ومعرفتك بالموضوع لتقدر، يصف تعالى بديع صنعه فيقول"الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى" (\لأعلى2،3.).."وقد جعل ربك لكل شيء قدرا" وقيمة هذا التقدير بملاءمته للحال، ويبدو هذا واضحا في الفنون التطبيقية حيث تتصدر الوظيفة أو الاستخدام مؤشرات الملائمة، ففي الأزياء مثلا، زيي النوم الجميل أهم صفاته انه يناسب النوم بحيث اشحذ متطلبات النائم وأحاول تحقيقها في الزي، ونحن نعتبر السيارات الجميلة هي التي تحقق( الثبات، الراحة، التوفير،السرعة، القوة،الخ) والشكل هو الذي يوحي بوجود هذه الصفات ويكون جميلا بقدر ما كان معبرا،حتى الأشخاص نحن نشعر بجمالهم كلما تأكد لنا مدى توافق مظهرهم مع سلوكهم، ولعل ما افخر به كإنسانة ليبية هو إن سمة الفن الليبي الشعبي هي الملائمة وتتضح في العمارة حيث تتوضع الطاقات والفتحات في متناول يدك هكذا بكل رفق تقول لك أنا هنا حيث تريد حيث يلائمك، وتأتي معايير الجمال الأخرى بعد راحتك..!ولعل مدن الصحراء وأشهرها غدامس نموذجا لتصدر الملائمة للأسلوب الليبي حيث تراعي البيئة والحركة والمعايير الاجتماعية وحجم الإنسان ،وتستقبلك المصاطب والأقواس بحفاوة تشعرك كم أنت مهم وقيم.. أليس هذا قمة الجمال..

يكاد يخلو الفن الليبي من الزخرفة ويعتمد الاختصار والمباشرة والتي يعتبرها البعض عيبا إبداعيا،وهذا مما أثرت به ثقافة الغرب علينا حيث يصبح الغموض والإرهاق الذهني هدفا للمبدعين وكأننا نتبارى في تعذيب المتلقي وكان قمة سعادتنا أن نشعره بالعجز لنوصل رسالة خفية فحواها (صقع عليك).!!!

والثقافة العربية من أهم خصائصها المباشرة والوضوح (البيان) ويكون الشيء جميلاً كلما كان واضحا فنحن نصف أنت قمر، أنت شمس،"أنت نجم والملوك كواكب"، أنت علم، وعلى ذكر العلم فغناوة العلم هي الجنس الأدبي الخاص بالليبيين والذي يأخذ قيمته من اختصاره ووضوحه وشموليته وهذا هو تعريف البلاغة،"البليغ الفصيح يبلغ بعبارته كنه ضميره"مختار القاموس....

وعند اعتماد الملائمة كسمة أسلوبية يجب أن يرافقها الاختصار والمباشرة حيث تتحقق البساطة، والبساطة ليست الفقر فقلة العناصر في التكوين تعد فقرا في غياب الملائمة أو الدلالة، أما مع الملائمة فهي بساطة،ومع الدلالة فهي تجريد... وهذا اتجاه يقابله اتجاه آخر هو الثراء وهو ما يتأتى مع كثرة العناصر المترابطة والتي بينها نسقا، أو عدة أنساق متناسقة ،وهو بخلاف كثرة العناصر غير المترابطة (الفوضى) إلا أن بعض الفوضى المنسقة وفق فكرة واضحة تصبح رموزا ثرية.والنسق ليس بالضرورة متوالية هندسية أو حسابية ،فقد يكون مفهوما عقليًّا أو وجدانيًّا...وعلى النسق المؤكد حضوره كحد أدنى في كل عمل هو ذات المبدع ، وهي التي نفتقد بغيابها الفن في العمل..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق