مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الثلاثاء، 18 مايو 2010

عندما يتحول الرجل لكومة سحاب....

القصيدة /
ايش رايك...؟
ايش رايِك لو خذينا
م السما كومة سحاب
واركبنا فيها ولفينا
ع السهول وع الشعاب
ولعبنا مع الغيم وذبنا
افهمناه وهو فهمنا
هاذي غيمة تبي تمطر
مدي يدك واحلبيها
وهاذي غيمة تبي ترقد
هوى شوي شوي عليها
نني غيمة..هيا نني
واحلمى بغابة ياسمين
وامطرى ف الحلم عليها
وهاذي غيمة تبي تمشي
امسكى في ايديها زين
ودودشيها..
خطوة خطوة دودشيها
وهاذي غيمة تبي تلعب
لعبيها..هيا دونك لعبيها
لفيها بيديك اشوى
وفصّلي منها العاب
ديري منها قرين اجدي
وديري منها حجاب
حلوة الدنيا فوق الغيم
وحلوة نكونوا اصحاب
للغيم الطاير في الجو
وراكبين سحاب.

القراءة /
يخاف الرجل الحب ..يخاف ان يفقد السيطرة..يخاف ضعفه أمام حبيبته... فيتعمد إظهار القسوة ثم يشتاق لاعلان ضعفه لأنه حقيقته...قد يكون هذا الاحتياج المشبع بالخوف أهم أسباب الحقد الجنسي عند البعض خاصة في ظل تنشئة تتعمد الجفاف وتعادي تأنيث الأشياء من باب الحفاظ على القيمة...!
و الشاعر سالم الكواش في هذه القصيدة يقدم نموذجا لحوار فائق النعومة يؤنث المفاهيم بلغة عميقة الرجولة... لا يخفي فيها حبه ولا يتنازل فيها عن حقه...لغة ذكية وصور جمالية مدهشة تتعدى الحوار مع المرأة إلى تعليمها الجمال والتناغم مع الكون... فلندخل لعالم سالم الكواش وكيف يصنع التناغم في هذه القصيدة .
........
بداية بالعنوان (ايش رايك)...؟
وهو اشارة تغري بالمحاولة وتؤكد حرية المرأة في اتخاذ القرار لتتحمل مسؤوليته وتبعاته بصبر ويقين وتشعر بانتماءه لها .
"لو خذينا" ولم يقل " لو خذيتي" مما يفيد التشجيع بالمشاركة والتخفيف من ثقل التكليف على المحبوبة.... وهذا الاتحاد والألفة مع الغيم "ركبنا فيها" سينتج عنه ان الغيم(الرجل) سيقدم لنا ما لا يمكن ان نحققه بمفردنا وان هذا الاتحاد والامتزاج يصل لحد الذوبان وبالذوبان وحده سيحقق التفاهم (وذبنا وافهمناه وهو فهمنا)
ثم يبدأ حضور الأنا ومتطلباتها ولكن بعذوبة، تتسلل دون ان نلاحظها لتملي رغباتها كمقابل وهذه الاحتياجات هي موضوع القصيدة الأساسي، المقدم والمنتهي بنفس الفكرة (متعة رفقة الغيم واهميتها) للتأكيد على تبادل العطاء ..فيعدد احتياجاته تباعا ووفق اولوياتها وبتلميح ذكي لكل تفاصيلها ومتعلقاتها... ويربطها كلها بأول احتياجاته وهو أللماحية الناتجة عن فهم الغيم(الرجل) من خلال تكرار لفظ "هذي غيمة تبي" قبل ذكر احتياجاته وهو إشارة لقدرة المرأة على قراءة الغيم(الرجل) وتحسس احتياجه..
-------------------
والاحتياج الثاني ان تكون متنفس لكل ما يملاه من هموم ورغبات وقلق... "تبي تمطر" دليل على رغبته في التنفيس وإحساسه بالضيق والثقل...ثم يلمح لأسلوب الأداء لتعويله عليه فيركز على المبادرة "مدي يدك" ثم استخدام لفظة تكاد تكون غريبة في لغة سالم الكواش الرومانتكية لأنها لفظة حسية "واحلبيها" الا ان ملائمتها للنسيج الصوري و المعني أعطتها جمالية خاصة بينما أعطت هي إشارة لان الهموم جزء من نتاج الرجل - يدرها كلبن او كمطر- .." اانكرها ومنبتها فؤادي، وكيف تنكر الأرض القتادا ".
ونلاحظ هنا التركيز على الاحتياج الحسي كاول احتياج والتعويل عليه لتبديد الهموم والراحة.. ولم يشر بعبارة أخرى وصفية لهذا الجزء باستثناء التركيز على التفهم والمبادرة في نفس وقت الاحتياج..
---------------
ثم الاحتياج الثالث وهو الاسترخاء والسكينة " تبي ترقد" وان هذا الاحتياج له تفاصيل اداء"هوي اشوي اشوي عليها" أي حدثيها.. والتركيز على الحديث المطمئن كأهم احتياجات الرجل..حتى ان البعض يعتبر الهدهدة أهم مظاهر الأنوثة والأمومة إلا أنها هنا تكثيف لدور المرأة المتمثل في الكلام الطيب وينتقل سالم لتفصيل موضوع الحديث الأهم –من وجهة نظره طبعا –وهو"احلمي بغابة ياسمين وامطري في الحلم عليها".... ومن المؤكد طبعا إن مشاركة المرأة للرجل في أحلامه ودعمها ورؤيتها لنجاحه كانه يقين(إيمانها به) احد أهم احتياجات الرجل الاتصالية.... ثم يحدد سالم حلم شخصي لا تستدعي الضرورة الفنية تحليله"غابة ياسمين وأمطري في الحلم عليها" إلا أن أوضح إشاراته المشتركة بين كل الناس هي الرغبة في العطاء لتأكيد الانجاز وتعزيز الثقة....
------------------------
ثم ينتقل لاحتياج أخر وهو الدعم الفعلي(العمل)وهو دور المرأة من صبر وتدبير منزلي ومشاركة عملية لاستكمال مشوار الحياة"هذي غيمة تبي تمشي" ويشترط لهذا الدور ان يكون بوضوح واتفاق وتكامل... "امسكي في ايديها زين ودودشيها" .. وعلم مسبق"خطوة خطوة دودشيها"
-------------------------
ثم الاحتياج الأخير وهو روح المرح التي تعيده طفلا وهو هنا يحدد تركيبة خاصة لدور المرأة بان تكون أمه التي تحتويه "لفيها في أيديك اشوي وفصلي منها العاب"....وكذلك طفلة تشاركه اللعب "ديري منها اقرين أجدي وديري منها حجاب"....
يقدم سالم الكواش بلغة سهلة نموذج مكثف الصور ومتشابك المحاور لتورط الرجل في احتياج المرأة واستعداده الكامل للتسليم مقابل تحقق احتياجاته "لفيها في أيديك اشوي وفصلي منها العاب"..وهذه اللغة تتميز بالنضج الوجداني واللغوي للشاعر...
اروع ما يقدمه هذا النموذج هو لغته في الحوار مع المراة بما يتناسب مع احتياجاتها وهو التقدير والاهتمام باستهلالية "ايش رايك" ... ثم المشاركة بتكرار نا الدالة على الفاعلين... ثم الختام بطمأنتها ان الاستقرار في المكان(المكانة) فوق الغيم مستمر وبديهي مادمنا نحن والغيم أصحاب "حلوة الدنيا فوق الغيم وحلوة انكونوا اصحاب للغيم" ... صورة راقية تعيد طرح الحب المشروط بلغة عذبة تنسي القارئ القالب الفكري القديم الذي عرفنا فيه العاشق اعمى ومجنون...
الى جانب التوفيق في اختيار الرمز" السحاب" وهو ما يبدو للرائي شيئا غير محدد الملامح حيث يتمرد به الشاعر على القولبة كمظهر للالتزام العاطفي..الا ان الكواش في قصيدته هذه يعتبر الحرية "الغيم الطاير في الجو" هي طبيعة في الغيم(الرجل) وان تفهم المرأة لهذه الطبيعة سيؤدي حتما لان يكونوا "أصحاب" ... مما سيسعدها معه ويشعرها بتحررها أيضا....
يحطم الكواش هنا صورة الحب الغير مشروط والعاشق الذي يقضي عليه حبه..ليقدم صورة لحب مشروط بدون ان ننفر منها وبدون ان تنقص شاعرية القصيدة...ويتميز موضوع القصيدة بتقديم فكرة واقعية في أسلوب رومانتيكي حالم....كذلك ترتيب الإحداث وتسلسلها فالشاعر يحافظ على تسلسل ادوار المرأة في الأولوية بنفس تسلسل ادوار الام في الحدوث ، حدث حدث (احلبيها،هوي اشوي عليها،دودشيها،لعبيها) ... تبقى المرأة العاشقة مقيدة دوما بعشق الرجال الاول...... (امهاتهم) .
قصيدة سالم الكواش جديدة في حوارها مع المرأة فهي ليست ملاك او أميرة او ساحرة او قاسية او شرسة كما اعتدنا في نصوص المحبين ، بل هي الام وهي الطفلة ورفيق الدرب، قصيدة تمثل انتصار لإنسانية المرأة والرجل معا ، وجمال الحب عندما يستنير بالاحترام....

هناك 9 تعليقات:

  1. أنت قلم رائع..ولديك عين ثاقبة لقراءة مابين السطور..أجدتي الاختيار واجدتي التحليل ..شكرا لك

    ردحذف
  2. عبد السلام الحجازي20 مايو 2010 في 3:43 م

    أخت وفاء : السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته .
    لقد قرأت هذه الدراسة والتحليل أكثر من مرة ، وفي كل مرة أكتشف أنك ( زوّمتي ) القصيدة إن صح التعبير .. وهذا ما جعلك تتمكنين من قرائتها من الداخل قراءة تثبت أنّكِ صاحبة ألمعية وخيال يتيحان لكِ أن تنسجي من لدنك صوراً ربما ليست موجودة في النص الخاضع للدراسة . ولكنها زادت النص عمقاً وأضفت عليه الكثير من الجمال .
    في الحقيقة تكاد تخلو ساحة الأدب المحكي من الدراسات التحليلة المركّزة ، وهذا بدوره أسهم إلى حد كبير في طمس الكثير من جماليات هذا الأدب من جهة ومن جهة أخرى تدفق الكثير من الأدعياء على هذا الأدب فأساءوا إليه أيّما إساءة . فمن المفترض أنه أدب شعبي أي أنه يحمل في ثناياه خصائص هذا الشعب وعليه فإنه هو المعيار الأمثل لقياس ثقافة الشعب وأسلوبه في التفكير وطرح القضايا .
    إنها مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المثقفين الملهمين من أمثالك أخت وفاء .
    أشكرك على هذا التناول وهذه الحبكة التي تجبر قاريء هذه القصيدة على أن ينظر من خلال هذه الزاوية ( زاوية الأنثى التي لها هي أيضاً التقاطاتها ) .

    ردحذف
  3. الكاتبة وفاء الحسين
    تمتلكين عيناً ثاقبةوريشة تشكيلي وخيال شاعر
    والمحصلة أنك غاية في الابداع,لا تحرمينا ابداعاتك.

    ردحذف
  4. الشاعر المثقف، عميق المعنى، صاحب القصائد التسبيحية عبد السلام حجازي..
    وانا ايضا قرات تعليقك اكثر من مرة وزاد شرفي في كل مرة بمرورك الكريم...اتفق معك طبعا في اهمية الادب الشعبي وعمق اثره اما اهمية النقد فهي سبب كتابتي فيه...
    وددت ان اقدم قراءة مركزة من زاوية الانسان لان هذا النص هو صورة لحوار طرفيه الذكر والانثى...
    مرورك يعدد زوايا حروفي فكن قريبا..احترامي

    ردحذف
  5. الاخوان غير معروف... سعدت باعجابكم بالقراءة... وبالاختيار.. وباعتقادي اختيار النص مهم في القراءة او الدراسة لانه يعكس روحه فيهاو لان من يحمل المسك يتعطر به لهذا تشرفت بان اقدم دراسة بسيطة للغة الشاعر سالم الكواش الثرية..مروركم عنى لي الكثير وتمنيت ان اعرفكما..لان مدونتي لازالت محصورة الانتشار بين بعض الاصدقاء...شكرا ياصديقاي العزيزان...

    ردحذف
  6. وفاء ايتها السابحة في لجة المعاني مثل ريشة في مهب الابداع،يا سنبلة الالق كلما كتبتي انبتي الف سنبلة..
    انا اعرف هذه القصيدة جيدا لكن من خلال تحليلك كاني اقرائها اول مرة،،دمتي خيتي وفاء بكل هذا الحضور
    وشكرا لشاعر المتأهب دائما للبوح

    ردحذف
  7. اخي فتح الله شكرا لوصفك الرائع المكتسب روعته من احساسك بالصورة والحدث والنمو " وان كان لايناسب خابية ان تنبت الحبوب"..الا ان للمخرجين قدرتهم على تحويل الحدث والشخوص.. لخلق تفاصيل حياة اجمل
    ممتنة جدا لانني احضى بمروركم وقبولكم.. يشرفني ويسعدني تشجيعك دائما واتلقاه كانك تشجعني اول مرة... دمت خيي..

    ردحذف
  8. سالم الكواش18 يوليو 2010 في 1:49 ص

    أختي الفاضلة..الكاتبة وفاء الحسين..
    أن يتناول كاتب ما قصة أو قصيدة دون أن تكون هناك علاقة شخصية او معرفة على الأقل بكاتبهامشهد يكاد أن يختفي في ثقافتنا المحلية..أحييك على ذلك.
    وأسجل هناأعجابي الشديد بتناولك للقصيدة..وتحليلك لها وإبراز دلالات وتراتبية ربما لم تكن في بالي عند كتابتها.
    أكرر امتناني وإعجابي بما قمت.
    والسلام عليكم ورحمة الله

    ردحذف
  9. أخي الكريم، عذب اللغة سالم الكواش..نعم، كتبت قراءتي دون علاقة شخصية ولكن بعد معرفة عميقة ومتابعة شغوفة لمدونتك العطرة المظلال.. اخترت نصك الرائع من بين نصوص أروع لأنني وجدت فيه ما يخالف سائد في ثقافتنا..بل ويتفوق عليه..احيي فيك تفردك وعذوبة لفظك ورؤاك الإنسانية العميقة..وان كنت اخترته فلأني انشدالتجمل بالجميل وامزج رؤيتي به طمعا في تقديم الأجمل..شكرا لشعريتك التي تستضيفنا بالمسك وتلون لنا الحياة بمروج من امل..دمت بقلب مضيء وقلم شفاف..وعليك السلام ورحمة الله وبركاته..

    ردحذف