مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

هايدي والنافذة المستديرة ...


النافذة الصغيرة فوق السرير
 , فرصة الطفل الأولى ليتشجع بالنافذة ويرتبط معها وجدانيا ومكانيا .. يقربها منه حجمها الصغير وشكلها الواضح (البريء ) .. النافذة المستديرة أكثر إيحاء باللطف من المضلعة ( في خيال الطفل والاشخاص الميالين للصراحة ) ..

يحب الطفل منذ ان يتعلم تمييز المرئيات ان يمارس لعبة النظر من خلال الحيز الضيق .. فيغطي عينيه لينظر من خلال شق .. ويبتهج عندما يحجز عنه الكبار جزء من المشهد ليطل على بقيته .. النظر بكامل زوايا الرؤية ( زاوية اكبر من 135 درجة ) من الأمور التي تسبب بعض الرهبة .. يبقى هذا الإحساس بالسعادة والأمان وتبديد الجزع موجودا حتى عندما ترحل الأسباب ويكبر .. يبقى يمرح بالنظر من خلال أشكال فراغية ذات مقطع دائري مثل ( المخروط والاسطوانة ) .. فيلف ورقة ليصنعهما وينظر للدنيا ... او يجمع العلب الاسطوانية ليفتحها من احد جوانبها وينظر من الأخر..  او يرسم باصابعه السبابة والابهام دائرة حول عينه لينظر منها ..وغالبا ما ينظر بها الى تلك الفضاءات الشاسعة التي يطلب دعما لإدراكها (وجدانيا طبعا )

النافذة المرتفعة  الموضع فرصة لرؤية منظر أكثر شمولا .. وبالتالي تعريف اولي اوسع للوطن .. ذلك الفضاء الذي تتعرف ذواتنا ضمن كل حدوده .

في مسلسل هايدي توظف الرواية العالمية هذه العلاقة المكانية (السنوغرافية ) بسلاسة وإقناع عندما تظهر الفرحة على وجه هايدي وهي تتعرف على الكوخ ، ومن ثم تقبلها وحبها لكوخ الجد المتواضع .. لانها ستصعد لسريرها ..( اذا السرير مرتفع وهذا مشوق ، وكثيرا ما يتقارب هذا مع رغبتنا ككبار في النوم او الجلوس بين النجوم ) .. ثم سرير من مادة واحدة ( متجانس البنية والمادة) ثم نافذة تطل منها للوطن بمجرد ان تستيقظ ..

بهذا الخطاب البصري الوجداني المكاني أشارت الرواية للحرية والانطلاق كسمات أصيلة في شخصية هايدي فتاة الجبال ..

مسلسل هايدي رسالة عميقة لحب الوطن ونقرا هذا من الاسم .. ( هايدي فتاة الجبال ) او ( هايدي فتاة المراعي ) .. حيث تأخذ الطفلة سماتها من سمات الوطن ويرتبط اسمها باسمه وتعرف من خلاله .

يزداد الطرح جمالا وعمقا ونضجا مع تقدم الحلقات ، عندما يحاصر هايدي الحنين للوطن وهي في المدينة .. وتشتاق لبيتر والجدة والجد والماعز وكل الشخوص .. لكنها تبحث عنهم من خلال النافذة ..!

تهرع لنافذة مرتفعة وتتحايل وتخطط لتصل اليها علها تشرف منها وترى الجبال ..

ثم تمد عينها لتشاهد المدينة وتبحث عن جبل او ماشية ..

روعة وأناقة وسهولة في التعبير عن العلاقة القوية بين طبيعة الفضاء وهويته .. فهايدي كانت ستسعد كثيرا بمشهد قريب لمشهد تحبه كأن ترى جبل او شجرة او حتى ارض متعرجة وليست مستوية .. لكن اختلاف المشهد او اختلاف الطابع الحضري للمشهد أشعرها بالغربة ..

هايدي تطلق العصافير وترحب بها في نافذتها المستديرة حيث الاستدارة (الرمز الأشهر للإحاطة والاحتواء ، تجعل مما بداخل الدائرة متحد فراغيا وبالتالي وجدانيا) .. فتشعر هايدي – وكذلك العصفور – بالألفة والصداقة ...

الرواية ومثلها المسلسل تطرح مفاهيم فلسفية وعلمية كبيرة ببساطة وإبداع ورقي ، من مثل /

( الانتماء ، الحرية ، الصداقة ، الغربة ، مشكلات الاختلاف الحضري ، السلطة ، الطاعة ، العجز ، الامل ..الخ )


ومن المميز أيضا قدرة الرسام على توظيف الرسوم في خدمة الرؤية الدرامية /

.. فالنافذة لا ترتفع عن السرير كثيرا وهي في منتصفه ، وهذا ليس مذكورا في نص الرواية لكنه ترجمة الرسام لفضاء شكل كل هذه البراءة والانطلاق في شخصية الطفلة .

ونافذة هايدي تسمح بان تسند نفسها على مرفقيها وتسند وجهها بكفيها لتؤكد توجيه نظرها نحو افق بعيد ...

ونافذتها خشبية مثل الجدار وليست غريبة عنه في مادتها .

وهي أيضا مكونة من قطع متعددة وليست قطعة واحدة حتى لا توحي بالاختناق وتشبه قيد .. وهي ليست شديدة الصقل حتى يعزز الإحساس بالملمس الإحساس بالأمان ..

كوخ هايدي الحقيقي وكما تذكره الرواية من الحجارة .. لكن الرسام جعله خشبيا ليحقق انتماء اكثر للمكان ( الوطن ) .


من سلسلة حديث الزوايا ... لمجلة (( بذور )) اشراف الاستاذة خديجة بسيكري .