مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الأربعاء، 26 مايو 2010

سيرة خابية ... احكي لي يا ستي حكايه ....

إهداء للاستاذ الناقد جميل حمادة
خربثا الحارثية : الحاجة زكية نمر ـ ام عمر ـ نلاحظ الثوب الفلسطيني ودقة التطريز وروعة الالوان



الجدة كانت تظل صامتة وهي تسبح بمسبحتها الطويلة ساعتها كنت اعرف ليه ستي ساكته ,بدها احكي معها بلغتها , ستي مكانتش تحب احكي معها مدني, كانت تحب اللهجة الاصلية على قولتها ومرات كنت اتعمد اطلب منها اللي بدي اياه بالمدني قصدي اللغة اللي تعلمتها من يوم ما نولدت ,بس ستي كانت اشطر مني ومكانتش تتنازل الا لما احكي معها بلغتها
ــــ ستي ,خرفيني خريفية ستي ام علي كانت تتغير ملامح وجهها مع انها كانت تحاول تحافظ على جديتها , ومهما كانت تقاوم ضحكتها وهي تزمزم اطراف شفايفها الا انها كانت تنتهي تضحك وكانت تفكرني مش ملاحظة مقاومتها للضحك ,كانت تحاول تلهيني
ـــ طيب قومي جيبي لي اشرب , بس اوعي تجيبي المي في كباية كزاز , كبايتي محطوطة جنب الكوزكنت في اوائل سنين وعيي للامور استغرب لفظ ستي لبعض المصطلحات مثلنا احنا( المدنيين على رايها ) كنت استغرب لما تقول لي كوز المي وهو جرة المي الفخار الصغيرة حرف الكاف كانت تلفظه بالمدني , ومع ذلك كانت تعارض طريقتنا في الكلام ,ما اغربها كانت تبدو لي ستي كما هي حياتها كنت استغرب منها امور كثيرة , ومنها انها كانت تروح تتوضى لكل صلاة بدون ما تطلب مساعدة ومكانتش تقع , كنت اراقبها من بعيد لاني لما حاولت اساعدها مرة رفضت وبعصبية اخافتني لباسها كان اسود بأسود, اللون الوحيد اللي كان يكسر السواد هو لون المنديلا الحرير الاخضر اللي كانت تعصب بيه راسها , حتى يوم ما مشطت شعرها قدامي استغربت انها بتحط شبرات سود وبتجدلهن مع جدايلها
ــــ ستي , ليش لون شبراتك سود ؟ستي مقاومتش ضحكتها قبل ما تجاوبني بس عمري ما سمعت لضحكة ستي صوت , ضحكتها كانت شبيهة بحياتها , فيها صمت وتكتم كبير ــــ هذول مش شبرات يا ستي والا مفتشرتيني بروح عالمدرسة مثلتش
ـــ ستي , ولما كنتي تروحي عالمدرسة كنت تحطي شبرات ؟بتذكر لما سألت ستي السؤال هذا قديش ندمت وما عدت سألتها اياه ثاني حسيت حالي جرحتها وعلى طول طلبت من ستي تخرفني خريفية
ـــ ستي , خرفيني عن داركم
ـــ مخرفتيش عنها هذيتش المرة ؟
ـــ بحب تخرفيني مرة ثانية
ـــ بس الخابية اكيد مخرفتيش عنها
ـــ لع , الخابية شو هيي ؟كنت اتظاهر اني مسمعتش عنها على شان ستي تحكيلي كل صغيرة وكبيرة واعود واستمتع باللي بتحكيه وكأنه حصل قبل مئات السنين , كنت احس انها ستي بتنبسط مثلي مع اعادة الاحاديث او الخراريف
ـــ اه يا ستي , شو بدي اقولتش والا شو يوم بقيت زغيرة بقى عنا دار تشبيرة تشبيرة , وابوي الله يرحمه بقى عنده اراظي تشير والخير يا ستي تشان مبين على الناس , مش مثل اليوم الناس زمان يا ستي مبقتش توزن الخير بالميزان مثل اليوم
ـــ مكنتوش تعرفوا الميزان ؟!
ـــ لع يا ستي , بقينا نعرفه, بس عند الصايغ اللي ببيع ذهب, وفي حدار ذهب بقى يلف على الدور ومعه ميزان , النسوان بقن يشترن منه ذهب , بقن شاطرات مش مثل نسوان اليوم الوحدة بقت تحوش العيديات واللي بعطيها اياه جوزها ونقوط ولادها وتشتري فيه ذهب , وفي منهن خايبات بقن يبيعنذهبهن للحدار , اما المرة الشاطرة لو كل يوم بتوكل خبز حاف بتبيعش ذهبها كنت اشعر من كلام ستي انها بتنبهني اهمية التوفير والتدبير وعدم التفريط في الغالي من اجل الشهوات
ــــ الخابية يا ستي في دار ابوي بقت عامرة طول السنة
ـــ وكيف كان شكلها ستي كانت تبتسم وكأنها الخابية بعيدة كل البعد عن اشكال الاشياء المعروفة
ـــ الخابية يا ستي هي قطعة من دار تشبيرة , لما بقوا يبنوا الدار بقوا بينوا الخابية في سدر البيت الحيط التشبير بقوا يعملوه مثل الخزانة بس اتشبر منها بتشثير , والبنا بقى يستشره ويخليه مفتوح من فوق وبعدين بقى يعمل فيه خزوق من تحت , وبقينا نظب المونه فيه ونستشر الخزوق بشريطة نظيفة ولما بدنا نطبخ نطول اللي بدنا اياه من الخابية ونرد نستشر الخزق بالشريطة كنت اتخيل الخابية وفي البداية مكنتش اقدر اتصور مكان في جدار يخبىء به مؤونة البيت لمدة سنة ودون ان يختلط العدس بالقمح بالفول لكن ستي قدرت توضح لي من خلال اعادة سرد حياتها وهي صغيرة انها الخابية تكون خزنة كبيرة بكبر حائط غرفة المعيشة الاساسية في المنزلوبعرض كبير ,لتتسع للكثير من الخزين وانها من الداخل مفصولة لعدة اقسام وان الفتحات المغلقة بواسطة قطعة قماش على شكل طابة كانت تزال ليسقط ما تحتاج اليه ربة الاسرة مما في تلك الخانة في وعاء مصنوع من القش وتعيد اغلاق الفتحة بقطعة القماش بينما يتم تزويد الخابية اذا نقصت بأي من محتوياتها بواسطة افراغ اكياس من العدس والقمح والفول السمسم والذرة من عبر الفتحة الكبيرة في اعلى الخابية وكانوا يستعينون بسلم خشبي للوصول البى اعلاها وبعد ان تمتلىء يتم اغلاقها من فوق بواسطة وضع لوح خشبي كبير يغلق كل الابواب العلوية معا ويظهر وكأنه سطح خزانة كبيرة كم كنت اتمنى لو عشت في ذلك البيت الذي تغنت به جدتي وخاصة عندما كانت تحكي لي عن خابية اخرى
ـــ العسل يا ستي بقى اله خابيه لحاله جرة فخار تشبيرة مثل اللي في قاع الدار حطها البنا في خابية على قدها وبقى الها زعبوبة مثل اللي في كوز المي الزعبوبة بقت من تحت وامي بقت تفتحها وتصب العسل في فخارة صغيرة وانا بقيت لما امي تغفل عني افتح الزعبوبة واشرب عسل منها مثل المي وارد استشرها قبل ما امي تشوفني على وجه ستي كانت تظهر علامات جميلة ,كنت اجب ان اراها فقد كانت تفصح عن طفلة مختبئة في داخلها , كانت تلك الطفلة تظهر كلما كلمتني عن احدى مواقف شقاوتها ايام طفولتها
كنت المس في ستي خليط كبير من القسوة والشدة واللين والقوة والضعف والحب واللامبالاة بشعور الاخرين والاهتمام بالصغير والكبير فيها كنت ارى شعاعا كبيرا من الأمل والفرحة بالرغم من مقاومتها لابتساماتها القليلة وبالرغم من ملابسها السوداء من الرأس الى القدم كنت اجد بجانبها الطمأنينية واراها جميلة جدا اما عيناها فلا زلت اجهل اي سر كانا يملكان ليضفيا لوجهها نورا وجمالا بالرغم من كل شيء ورغما عن كل امر ...........لجدتي كانت رائحة معينة ولقطعة الخبز التي كنت أشاركها إياها كانت نكهة معينة , وصرت اشعر بطعم العسل والزيت لكثرة ما تأثرت بحكاياها عن ماض حفظته في قلبها ولا تتعب من سرده لأولادها وأحفادها وأولادهم صديقاتي في المدرسة لم يصدقن ان جدتي التي اقضي معها عطلة الصيف هي جدة والدتي كنت الوحيدة التي تملك كنزا كهذا….ولا واحدة منهن لها جدة مثل جدتي .....وبالأحرى ولا واحدة منهن ما زالت جدة والدتها حية , كبرت وهي حيه وكنت افتخر بذلك …جدتي لمست حبي لحكاياها وكانت تستغل كل فرصة لتسرد لجمهورها الصغير ما تحفظه ذاكرتها من ايام طفولتها وصباها , بل كنت أشعرها غاية في ا لسعادة واستغرب لما في حياتها من تناقض.لم اكن اعي بعد ان الانسان قادرا على ان يحتوي في داخله عدة شخصيات في ان واحد كنت احسب جدتي حزينة دائما لكنها كانت تعبر عن فرحتها لكل ما يصل لسمعها من اخبار سارة , والمس في داخلها طفلة لعوبة , وارى في وجهها تعابير امرأة مكافحة , واحب فيها ضحكتها الخجولة وغضبها السريع كسرعة ذهابه ...جدتي كانت نموذجا لعدة نساء في امرأة واحدة وكلما كبرت كنت اكتشف فيها المزيد مما يزدني حبا لها .لم اسألها يوما عن جدي ......والد جدي لم اعرفه , عرفت عن سيرته من والدتي اما جدتي فلم تكن كثيرة الكلام عنه , ربما كانت تتجنب سيرته خجلا وربما لتتفادى الالم الناتج عن نبش ذكراه وربما لامر اجهله ولم يخطر ببالي ابدا بعد الغداء استغلت جدتي طبخة ذاك اليوم لتتكلم عن ذكريات الطفولة والصبا لم اطلب منها ان تحكي لي حكاية ولا تخرفني خريفيه هي وحدها بدأت
ـــ تغديتي منيح يا ستي
ـــ اه , الحمدلله
ـــ عجبتش الطبخة
ـــ كثير, امي كمان بتطبخ مقلوبة يوم الجمعة شعرت بيد ستي تحسس على شعري , ربما لذكر امي , وربما لذكر عادة يوم الجمعة وربما للامرين معا
ـــ الرز هذا دخيل على اكلنا , الله على ايام البرغل والفريتشه
ـــ مكنتوش تعرفوا الرز؟!
ـــ الرز فش فيه فايدة يا ستي , البرغل بقى اكلنا الاساسي ويوم بقى ييجينا ظيف بقينا نحط في الطبخة فريتشة بدل البرغل ستي كانت تشرح لي عن عاداتهم في الطعام وكنت استغرب في البداية لكن كل ما وضحتلي اكثر كنت اتمنى لو اني عشت معهم لما كانت صغيرة ولا يوم تجرأت وسألت ستي ليش لابسة اسود ولا حتى اليوم اللي شرحت لي فيه عن عاداتهم الشتوية والصيفية
ـــ اول السنة بقى ابوي يروح يشتري دحلتين قماش وحدة للنسوان والبنات ووحدة للزلام والولدة وامي والنسوان بقن يخيطن الاواعي للكل وما نعودش نخيط الا للموسم اللي بعده ـــ ويوم العيد ستي , مكنتوش تروحوا تشتروا اواعي !
ـــ يا ستي بقاش على زمنا اواعي حاظرة وبقينا نحافظ على الاواعي الجداد ليوم العيد والأعراس.في داخلي حزنت وفكرت انهم كانوا محرومين ,لانهم مكانوش يروحوا السوق يشتروا ملابس مثلنا لكن مع ازدياد حكايات ستي ازددت قناعة انم كانوا عايشين بخير اكثر منا واهم شيء القناعة....
منقول عن موقع عالم حواء ملتقى الاحبة المغتربات...احكيلي يا ستي حكاية..
الصور نقلا عن موقع / http://www.palestineremembered.com/

هناك 3 تعليقات:

  1. عزيزتي وفاء،
    تحية طيبة وبعد، صدقيني أنك أسعدتني بهذه الحكاية خاصة مشفوعة مع هذه الأم الفلسطينية والثوب الفلسطيني الأصيل.. وسوف أبهرك قريبا حين أنهي روايتي التي ستجدين فيها ما يدهشك ويسرك في آن، على هذا النسق ايضا. شكرا ثانية، وتقبلي أطيب تمنياتي. المخلص/ جميل حمادة (شاعر/ناقد فلسطيني) (غزة/طرابلس - ليبيا).

    ردحذف
  2. وصدقني اني سعدت جدا بالمجموعة القيمة التي اهديتنيها.. وكلي شوق لاستلامها لولا ضروف عطلتني انت تعرفها .. اتوقع طبعاان تبهرني روايتك.. وتدهشني وتسرني ايضا.. فهذا وصف لكل ما عرفت عنك ووصلني منك استاذي الكريم ..زيارة اتمنى ان تكررها.. مودتي..

    ردحذف
  3. كتير انبسطت فيهاا ويا ريت نرجع ايام زمان

    ردحذف