مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الأحد، 25 نوفمبر 2012

العنف ضد المرأة والعنف الرمزي





كتبت / جميلة الطرابيشي

إن ظاهرة ممارسة العنف ضد المرأة هي أقبح عار يجلل الإنسانية في عصرنا الحالي"، تقرير عن منظمة العفو الدولية.


رغم أن العنف ضد المرأة موضوع قديم ورغم انه ذو صفة عالمية إلا أن الاهتمام به تأخر ولم يسلط عليه الضوء إلا مؤخرا، ولم يصل هذا الاهتمام إلى العالم الثالث إلا منذ فترات قريبة.

إن العنف ضد المرأة يمثل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلم، ويشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويعيق ويلغي تمتع المرأة بهذه الحقوق ويساعد على إبقائها في ادوار تابعة وخفض مستوى مشاركتها السياسية وانخفاض مستوى تعليمها ومهاراتها وفرص عملها.

ما المقصود بالعنف ضد المرأة:

في التعريف الذي يقرره "الإعلان بشان القضاء على العنف ضد المرأة" الصادر عن الأمم المتحدة والمعتمد في كانون الاول1993 ورد إن العنف ضد المرأة هو:

(أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس-أي بسبب كونها امرأة- ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى ومعاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة).

ليس ثمة شك إن العنف الممارس في العالم ليس ضد النساء فقط إلا أن المقصود هنا العنف الموجه ضد ملايين النساء لأنهن نساء.

وتؤكد التعريفات التقدمية للتعرف الوارد في إعلان الأمم المتحدة أن أفعال الإغفال، مثل الإهمال والحرمان، يمكن أن تمثل أشكالا من العنف ضد المرأة كما تذهب بعض التفسيرات إلى أن العنف الهيكلي (وهو الأذى الناجم عن تأثير تنظيم الاقتصاد على حياة النساء) يندرج ضمن أشكال العنف ضد المرأة.

وقد يتخذ العنف ضد المرأة طابعا جسديا أو نفسيا أو جنسيا ومن أشكاله العنف الذي يحدث في الأسرة أو في إطار المجتمع العام والعنف الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه أينما وقع.

يعتبر العنف الأسري من أشد أشكال العنف ضد المرأة خبثا وهو يسود في جميع المجتمعات. ففي إطار العلاقات الأسرية تتعرض النساء من جميع الأعمار للعنف بجميع أنواعه بما في ذلك الضرب والاغتصاب والعنف النفسي وغيره من أشكال العنف التي ترسخها العادات والتقاليد والقوانين.

ففي العالم الثالث لا تتقاعس الحكومات عن إصدار القوانين اللازمة لحماية المرأة فحسب بل تعمد إلى تطبيق تشريعات تنطوي على الإجحاف بحقوق المرأة والتحيز ضدها.

العلاقة بين العنف والتمييز على أساس الجنس:

إن كل عنف ضد المرأة يتضمن بالضرورة تمييزا وكل تمييز هو بالتالي شكل من أشكال العنف النفسي, فالمرأة تستهدف بالعنف باعتبارها أنثى لا باعتبارها إنسانا أو مواطنة أو غير ذلك, ويتم التعنيف على أساس أنها كائن من نوع خاص أو كائن مؤذ ومصدر فتنة, وليس العنف الذي تتعرض له أمرا طبيعيا أو حتميا وليس لبقائه من سبب سوى أن المجتمع يسمح به أو يغض الطرف عنه ولا تكاد توجد ثقافة في العالم إلا وتنطوي على أشكال من العنف لا تكاد تبصرها العين لأنها باتت تعد أمرا طبيعيا أو مقبولا.

إن عقد الصلة بين العنف والتمييز يكشف ما في التمييز من عنف يتم باسم مبادئ رمزية. وهو عنف بنيوي لا ينبع من الأفراد بل من بنى اجتماعية وقانونية يتبناها الأفراد والمجموعات. وهو عنف هادئ يعمل في صمت، ولكنه يعمل باستمرار، فهو كالطاحونة التي تسحق الأفراد وتحد من آفاق حريتهم, وهو ليس فعلا اجتماعيا منافيا للأخلاق السائدة بل قد يكون فعلا مغرقا في الاجتماعية والانسجام مع الأخلاق السائدة.

العنف والمجتمعات والعنف الرمزي:

لا شك أن المجتمعات تشترك في هذه الظاهرة، ولكن الاختلاف يكمن في حجمها ومدى وعي المجتمعات والحكومات لها. إلا أن الخلاف الأساسي هو في كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة اجتماعيا وقانونيا وفي كيفية التعامل مع ضحايا العنف. كما أن المجتمعات تختلف أيضا في نقطة أساسية هي مدى إدانتها العنف أو تبريرها إياه باسم مبادئ رمزية مستمدة من الدين أو العادات والتقاليد, كما تختلف في الأشكال الثقافية التي يتخذها هذا العنف,فالعنف يشتد عندما يمارس باسم مبدأ رمزي يعتبر أسمى من ممارس العنف والضحية معا.

هذا هو العنف الرمزي الذي يتحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، ويقول عنه إنه عنف هادئ لا مرئي ولا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه, ويتمثل في أن تشترك الضحية وجلادها في التصورات نفسها عن العالم والمقولات التصنيفية نفسها, وأن يعتبرا معا بنى الهيمنة من المسلمات والثوابت. فالعنف الرمزي هو ذلك العنف الذي يبدو بديهيا ويفرض نفسه على الضحية والجلاد والقاضي ويقول عن نفسه أنه ليس عنفا.

هذا العنف الثقافي هو الذي نجد له صدى في المادة الرابعة من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة المتبنى عام 1993 والتي تنص :(على الدول إدانة العنف ضد المرأة ولا يجوز الاستشهاد بأي عادات أو تقاليد دينية لتجنب التزاماتها,فيما يتعلق بالقضاء على العنف).

تتوقع هذه المادة العنف الذي يتم باسم مبدأ رمزي ما, وتدرك عنف هذا العنف ورسوخه ولذلك فإنها تؤسس مبدأ عدم إمكان التحفظ عن إدانة العنف, ومع ذلك فان مبدأ عدم التحفظ هذا هناك دول أطراف تتحفظ عليه!

العنف في العالم:

بينت إحصائيات دولية أن واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض على الأقل مرة في حياتها للضرب أو لصنوف أخرى من الاعتداء أو الإيذاء, وأن أكثر من ستين مليون أنثى حُرمن من الحياة جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص من البنات.

ولا يمر عام دون تعرض آلاف النساء للاغتصاب وخاصة في النزاعات المسلحة والنزاعات العرقية, بهدف تجريد المرأة من آدميتها واضطهاد الفئة التي تنتمي إليها حتى بات الاعتداء على النساء يصنف كجريمة حرب.

ففي الهند العنف مسؤول عن اختفاء نصف مليون فتاة سنويا.

بينما 130 ألف امرأة في أفريقيا يعانين من التشوهات والأمراض بسبب عملية الختان، والعدد مرشح للزيادة بسبب استمرار هذه العادة.

كما يتم سنويا تهريب الفتيات من البلدان الفقيرة بحجة العمل ويتم إجبارهن على الدعارة.

العنف في المجتمع السوري:

تختلف المجتمعات الشرقية في نسبة العنف فيها ولكنها تتشابه في أشكاله وآلياته ولعلنا من خلال إلقاء الضوء على هذه الظاهرة في المجتمع السوري نستطيع إلقاء نظرة على المجتمعات المشابهة.

في الدستور السوري "كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات"، لكن الواقع الماثل يؤكد أن العديد من الممارسات العنفية تستمد شرعيتها من القانون. كما أن العنف والتمييز لا زالا واقعا قائما يستمد شرعيته من المجتمع ومن القانون الذي يغض الطرف.

ولنتابع بعض ظواهره:

• العديد من النساء يحرمن من الحياة بحجة "جرائم الشرف" تحت حماية القانون عبر المادة 548 من قانون العقوبات التي تمنح الحق للرجل في أن يصدر الأحكام وينفذها عبر منحه العذر المحل منا لعقوبة "دفاعا عن الشرف"! والمادة 192 من القانون نفسه. مما يتعارض مع الدستور وحقوق الإنسان والشرائع السماوية التي لا تبيح قتل النفس.

• وتغيب المساواة أمام القانون بما في ذلك قانون الجنسية حيث تحرم المرأة من منح جنسيتها لأطفالها.

• الإجحاف في قوانين الأحوال الشخصية التي تمنح للرجل حقوقا تمييزية تسبب للمرأة أذى نفسي واقتصادي.

• جرائم الاغتصاب من قبل الغرباء أو ذكور العائلة والتي غالبا ما تعاني الضحية نتائجها وحدها خوفا من المجتمع وفي حال الادعاء فان زواج المعتدي من ضحيته يسقط الحق في مقاضاته.

• لا يزال الضرب يمارس من قبل ذكور العائلة كوسيلة للإهانة والعقاب.

أما التحرش المادي أو اللفظي فلا يزال دون روادع جدية مما يحد من حريات المرأة الأساسية, وغالبا ما يجرم المجتمع المرأة ويجرم سلوكها بدلا من تجريم المتحرش.

ويلاحظ أن المرأة في الريف والمجتمعات الفقيرة تعاني من أشكال إضافية من العنف مثل الحرمان من الإرث، العمل المرهق غير المأجور، زواج البدل والزواج المبكر، الحرمان من التعليم وخصوصا العالي منه,هذا بالإضافة للأشكال السابقة.

يترافق كل هذا مع غياب المؤسسات والمنظمات التي تساعد ضحايا العنف وتعيد تأهيلهم, والتجاهل شبه التام من قبل المجتمع ووسائل الإعلام.

ربما تختلف درجة العنف الممارس ضد النساء وأسبابه من مجتمع لآخر إلا انه واقع يجب العمل على تغييره كخطوة أولى على طريق تمكين المرأة من ممارسة حقوقها وتأكيد مكانتها كانسان له الحق في التمتع بكافة الحقوق.

وذلك لن يكون إلا من خلال فك جدار الصمت حول هذه المشكلة واتخاذ التدابير المناسبة لحماية النساء المعنفات قانونيا,وتعديل القوانين التي تجحف بالمرأة وتشجع على العنف.
http://maakom.com/site/article/1806



صفعة



ذات زيف شبيه


التقطت في سواد كبتك ومضة

فرحت

عجلتني بصفعة

تأدبت

ما عدت اجرؤ على الفرح

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

في ذكرى عرفة


حبيبي ادم /
سيحل بعد ايام قليلة يوم عرفة.. ذكرى لقاءنا الاول بعد فراق وخطيئة وتوبة واستغفار
يوم اعلن الله لنا رضوانه بان جمعنا في ارضه المطهرة ..
سأجهز نفسي للقاء .. سأحمل معي طاعاتي ودعوات اعطر بها مجلسنا في فسحة عرفات المزدحمة بأبنائنا المحبين
..تعال وخلي عنك الهم .. تعال نطالعهم برضى .. وهم يحتفلون بعيد الحب والمغفرة .. وهم يضيئون كقناديل بعد ليل من الذنوب .

ادم .. اتتوق مثلي لان تشم رائحة اجسامهم الناضحة بالطاعة .. يدفعهم الشوق للطهر ، للحب للرضا .. يقفون بين يدي ربهم مؤمنين برحمته .. لندعو لهم من الان ..ان يتقبل الله منهم .. ان ينظر لهم برحمته وينزل عليهم سكينته

ادم .. افكر الان كيف اختار الله لنا ان نلتقي في هذا المكان .. لنوقع معا بالحب صفحة القداسة ..ثم بعد الحب يوقع خلق اخرين ببقية الجمال .. بالحب سبقنا جبريل عندما علم ابننا ابراهيم الخليل مناسك الحج .. بالحب سبقنا الحبيب محمد وهو يشرع للعدل وحق الانسان ويوصي الناس بالحب .. يوصي الرجال بالنساء .. يا حبيبي كنت طول عمرنا تحوطني برحمتك وودك دون توصية او طلب .. بالحب واللهفة التقيتك هنا .. حيث لامعنى للوجود بدوننا انا وانت ..
كنت يومها كما لاقيتني اول مرة في الجنة .. حيث كل شيء بدوني لم يروقك .. كنت مبتهجا برفقتي .. مكتفيا بها .. كنتُ أنسك وكنتَ وطني .. اجمل ساحاتك نظرتك عندما التقينا في عرفات ..اتذكر .. هناك حين ركضنا في لهفة ثم امتزجنا كما كنا نمتزج .. ثم استكنا ..اسمع .. انصت ... ها هو محمد ابن عبد الله خاتم النبيين يجذب الحبل ويسترجع السكينة ..ما اجملها من لحن بصوته في لفيف ممن يصدقونه (السكينة ، السكينة ) .. الله .

ادم .. تعرف فيا قلق النساء .. احتملني .. اجب السؤال المعتاد .. هل لازلت سكنك ..؟
نعم وانت ايضا ستبقى تسكنني .. واضج بك .. وتتسع بي .. الا انني سأبقى اخاف الزحام .. واحب ذاك الفضاء الواسع حيث انا وانت وحدنا ولهفة اللقاء .. اما زحامهم فيذكرني بك .. كل الذكر وكل الطاعة وكل البكاء .. ادم مال ابناءك لا يشبهونك .. مالهم يكابرون في لحظة اللقاء .. ونحن علمناهم ان الجنة لقاءنا والدنيا لقاءنا واروع ما في عمرنا لهفة تنطق بها جوارحنا لحظة اللقاء ... اتدري انك باللهفة ملكت قلبي .. ااه تذكرت شيئا ، اخبرني مامعنى الجفاء ؟
مامعنى ان يفصل الناس بين معاني عرفة .. لقاء الجنسين والاعتراف بالذنب ومعرفة الله ..؟
عرفت الله فاعترفت بذنبي فالتقيتك .. والتقيتني وبحت لي بذنبك فعرفتك .. يا كل معارفي واجملها اغفر لي .

اتذَكَر عندما أخطائنا تحملنا الوزر معا .. واعترفنا بالذنب معا .. ونلنا الرضا معا ..كنا معا ..لا ادري متى تعلم ابنائي تبادل الاتهام ؟.. خصوصا في ذاك المقام .. كيف لهم ان يستشعروا التوبة واللقاء ؟.. كنت انا في وجع الخطيئة وانكسار الخروج من الجنة اتدثر برضاك .. وكنت انت تعتبرني بعضك .. ذاك الضلع الذي تحول وصار كائن ناطق لكنه يبقى منك .
ادم .. هل كان يخطر لك ان ابناءنا سيأتون هنا ويبكون ويصلون ويستغفرون ويعودون من حيث اتوا ولا يتفكرون فينا ولا في الحب .. ولا يتذكرون الا الذبح والطواف والهرولة وحلق الرؤوس ..؟
حبيبي .. امسح بيدك الحانية على قلوب ابناءك .. علمهم كيف يتزودون بالحب .. قل لهم كيف كنا ضائعين ( في الجنة والارض ) حتى التقينا .. قل لهم والا فإنني سأرفع صوتي من هنا اناديك .. ليعرفونك في صوتي .. عندما يتحول النداء ترنيمة .. والحروف مروج .. تصدح / هنا عرفة .. هنا موطن اللقاء والحب لمن عرفه .

ادم ... كل عام وانا وانت والحب وابناءنا المؤمنين .. في رضا الله وبركته ورضوانه .

حواء
http://kenanaonline.com/users/kwatr/posts/460623

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

الاسلام ،، النسوية ،، القفص




من يستطيع أن يدعي أن مفتاح القفص لا يقبع بداخله؟
....
إذا كان العدل والمساواة قيمتين متلازمتين في الإسلام، كما يقر كافة الفقهاء ويعتقد جميع المسلمون، ألا يعني ذلك ضرورة تجليهما في القوانين المنظمة للعلاقة بين الرجل والمرأة وفي حقوق كل منهما...؟ لماذا تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية في كتب الفقه التي تضطلع بتعريف اصطلاحات الشريعة؟
هل مفتاح القفص بداخله؟
تلك التساؤلات واجهتني عام 1979، عندما طرأ التحول الأكبر في حياتي على المستويين الشخصي والعقلاني بانتصار الإسلاموية ـ أى توظيف الإسلام كأيديولوجية سياسية ـ في وطني إيران، وكشأن الغالبية من نساء وطني أيدت الثورة بكل قوة وآمنت بعدالة هذا الدين، لكني سرعان ما اكتشفت أنني في كنف الدولة الإسلامية التي تأخذ على عاتقها تطبيق الشريعة- العمود الفقري في المشروع الإسلاموي- لست أكثر من مواطن من الدرجة الثانية، ولعل هذا ما جعلني أؤمن بأن عدالة الإسلام غاية لا يمكن إدراكها في وقتنا الراهن إلا عبر ولوج التشريع الإسلامي بوابات الدمقرطة والغربلة الحداثية. وعلى هذا، فإن الخطابات الإسلامية على تنوعها، بل والإسلاميون أنفسهم، بحاجة ماسة إلى عمليات مصالحة وتوافق مع القضايا الحقوقية، وعلى رأسها حقوق المرأة، حيث لم تعد القوانين التي يفرضها الإسلاميون باسم الشريعة تجليا للعدالة الإسلامية.

الخيار الصعب
يأخذنا هذا إلى العلاقة محل النزاع بين الإسلام والنسوية، وإلى الرابطة المعقدة بين المطالبة بحقوق متساوية للمرأة من جانب والحركات التحررية والوطنية التي امتدت طيلة النصف الأول من القرن العشرين من الجانب الآخر.

ففي الوقت الذي تشكلت فيه النسوية على المستويين الفكري والحركي، وبرز دورها في أوربا وأمريكا الشمالية، كما أوضحت ليلى أحمد وآخريات، سعت الحركة إلى تقديم المسوغ الأخلاقي للهجوم على المجتمعات الإسلامية وللتأطير للاستعلاء والتفوق الأوربي.
ومع تصاعد مد الحركات التحررية والوطنية، وجد المسلمون أنفسهم في خنادق الدفاع عن العلاقات الجندرية التقليدية، ووجدت النساء المسلمات اللاتي اكتسبن الوعي النسوي ودافعن عن حقوق المرأة في المساواة أنفسهن تحت وطأة التماهي مع الأولويات الوطنية والتحررية، وأن أي انشقاق عنها أوالسباحة في فلك آخر يمكن تأويله على أنه درب من الخيانة.
وفي الوقت الذي تمكنت فيه المرأة الغربية من توجيه سهام النقد ضد العناصر اللاهوتية في الثقافات والأديان التي ينتمين لها تحت شعارات الحداثة والليبرالية والديمقراطية، عجزت المرأة المسلمة عن التعويل على هذه الأيديولوجيات الخارجية أو البدائل الداخلية (كالقومية ومناهضة الاستعمار) في الصراع من أجل تحقيق المساواة الجندرية؛ وأضحى الإسلام لدى أغلب الليبراليين والحداثيين نموذجا للديانة اللاهوتية التي ينبغي نبذها؛ كذلك أضحت النسوية لدى أغلب القوميين والتحرريين مشروعا استعماريا يجب مقاومته والتصدي له؛ ووجدت المرأة المسلمة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الهوية الدينية الإسلامية، وإما الوعي الجندري الجديد.

التناقض الظاهري
إلا أن هذه الإشكالية قد تلاشت مع أفول القرن العشرين، حيث ساعد تصاعد الإسلام السياسي على خلق مساحة تمكنت خلالها المرأة المسلمة من إجراء المصالحة بين عقيدتها من جانب وكفاحها في سبيل المساواتية الجندرية من الجانب الاخر. وفي هذا المقام ينبغي التأكيد على أن هذا لم يكن نتاج طرح مساواتي قدمه الإسلاميون في فضاء العلاقات الجندرية، بل كان مشروعهم (العودة للشريعة) ومساعيهم لترجمة الافكار اللاهوتية المتضمنة في الشريعة الإسلامية إلى أيديولوجيات سياسية مثارا لموجات من النقد شملت فيما شملت قضايا المرأة، وسرعان ما تحول النقد النظري إلى حركة على الأرض، وتضاعفت أعداد النساء اللاتي ارتأين عدم وجود رابط عضوي أو علاقة منطقية بين اللاهوتية والنموذج الفكري الإسلامي، كما ارتأين أيضا في ذات السياق عدم وجود تناقض بين الإسلام والنسوية، ومن ثم، وجوب تحرر الخطاب النسوي من الخطابات القومية والتحررية.

ميلاد خطاب جندري جديد
ومع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، برزت ملامح وعي جديد تمثل في الخطاب الجندري، ذلك الخطاب الذي حمل ملاح النسوية في استلهاماته ومطالبه، لكنه كان إسلاميا في لغته ومصادره التشريعية. وانضوت بعض نماذج هذا الخطاب الجديد تحت عنوان "النسوية الإسلامية"، ذلك الاصطلاح الذي لا يزال حتى اللحظة الراهنة مثارا للجدل والنزاع بين غالبية الإسلاميين وبعض النسويات باعتباره مناقضا لأيديولوجياتهم ومنطلقاتهم الفكرية.

ما هي إذا "النسوية الإسلامية"؟ وما أوجه الاختلاف بينها وبين سائر النسويات؟ هذه الأسئلة ينبغي الإجابة عليها عبر تحليل شامل لديناميكيات الظاهرة، وإمكانية تحققها على الأرض في العالم الإسلامي.

بداية، يبدو من الصعوبة، وربما من العبث، تصنيف الأصوات النسوية البارزة في العالم الإسلامي تصنيفا خاصا بمعزل عن الحركة النسوية العامة، كما أنه يصعب أن نصيغ تعريفا جامعا يعكس كافة المواقف والمقاربات المختلفة الخاصة بمن يطلق عليهن النسويات المسلمات، وذلك لأن مواقفهن يغلب عليها، كشأن سائر النسويات، المحلية والتنوع والتطور.

وليس من الشطط أيضا أن نؤكد أن العديد من المنتميات للنسوية الإسلامية يرفضن هذا التوصيف ويأبين على أن يكن "نسويات" أو "إسلاميات". والحقيقة أنه برغم وحدة الهدف في السعي إلى إقامة عدالة جندرية ومساواة حقيقية بين الرجل والمرأة، إلا أن ثمة اختلاف، أو ربما خلاف، بيِّن على التأطيرات النظرية والآليات العملية لتحقيق هذه العدالة. ومن ثم، فإن أي تعريف "للنسوية الإسلامية" من شأنه أن يلبس علينا تفهم الظاهرة وأن يتجاوز، بل ويدمر الثنائيات التقليدية بما في ذلك عمليات الاستقطاب بين الديني والعلماني وبين "الشرق" و"الغرب"، بحسب "مارغوت بدران".

ولفهم خطاب لا يزال في مراحله التكوينية، علينا أن نستعرض بالتحليل التوصيفات التي يقدمها الفصيل المناوئ، أوبعبارة أخرى، علينا أن نبحث مليا في المشروع المناهض الذي جاء هذا الخطاب لمقاومته.

وفي هذا السياق، يمكننا تقسيم المسلمين المعارضين للمشروع النسوي إلى صنوف ثلاثة هم: المسلمون المحافظون، والأصوليون الإسلاميون، والأصوليون العلمانيون.

أما الصنف الأول ـ المحافظون ـ فيميل بجلاء إلى التصدي لأية تغييرات يمكن أن تطرأ على ما يعتقدونه صلاحية أبدية مما تصادق عليه الشريعة.

أما الأصوليون الإسلاميون، على الجانب الآخر، والذين يمثلون الفصيل الأكبر بين الفصائل الثلاث، فيسعون إلى إجراء عمليات تغيير للممارسات الآنية بالعودة إلى معين الشريعة الأول والأكثر صفاء.

على حين يرى الأصوليون العلمانيون، والذين لا يقلون دوجماتية وأيديولوجية عن الأصوليين الإسلاميين، أن القوانين والممارسات الاجتماعية المستمدة من الشريعة الإسلامية لا تتسم بالعدالة أو المساواتية.

وبرغم تنوع المنطلقات الفكرية وتباين الأجندات العملية، إلا أن هذه التيارت المناوئة للمشروع النسوي تتشارك جميعها في أمر واحد هو الفهم اللاتاريخي لكل من الشريعة الإسلامية والجندرية. لقد فشلت هذه التيارات جميعا في أن تدرك أن الفروض النظرية والقواعد الخاصة بالجندرية في الإسلام، وفي كافة الأديان، تقوم على أسس اجتماعية، ومن ثم فهي منفتحة على التباحث والتغيرات التاريخية، كما أنهم سقطوا في شراك رفض القراءات التي تؤطر للشريعة الإسلامية باعتبارها نظاما قانونيا لا يختلف في جوهره عن سائر النظم القانونية القابلة للتطور، وأخفوا هذا الرفض بأستار من التحريف في التفسير والانتقائية في النصوص والسفسطة في الدلالات، فكانوا جميعا يختمون نقاشاتهم بأيات قرآنية وأحاديث مجتزئة عن سياقاتها الحقيقية ويوظفونها لأغراض مختلفة.

وقد لجأ المحافظون والأصوليون الإسلاميون إلى هذه الآلية كوسيلة لدحض الآراء الأخرى ولتوظيف قدسية النص لأغراض سلطوية.

ولم ينح الأصوليون العلمانيون بعيدا، فقد اعتمدوا المنهجية ذاتها ولكن تحت شعارات التقدم والحداثة، وكوسيلة لفضح ظلم الإسلام للمرأة، متجاهلين تبني الديانات الأخرى لذات الموقف، والسياقات التي وردت فيها النصوص ووجود نصوص مضادة، فيما يشبه عملية إعادة انتاج للرواية الاستشراقية الفظة عن الإسلام.

وعلى هذا خرجت رواياتهم منقوصة وخالية من الاعتراف بتجذر اللامساواة الجندرية في العالم القديم، وأن وضعية المرأة في النصوص المسيحية واليهودية لا تختلف في كثير عنها في النصوص الإسلامية، وأن التحول الذي طرأ على وضعية المرأة في الغرب المسيحي كان تجليا لظروف اجتماعية جديدة تشكلت تبعا لها خطابات سياسية وسوسيو اقتصادية ومقاربات جديدة للدين.

والحقيقة أن قراءة نشاطات النسويات المسلمات يجب أن تتم بمنأى عن هذه النقائص، فبكشفهم العديد من الحقائق التاريخية وبتقديمهم قراءات جديدة للنصوص الشرعية، نجحت النسويات المسلمات في تبرئة ساحة المشيئة الإلهية من اللامساواة الضامرة في الشريعة وأنها (أي اللامساواة) ليست ركنا ركينا في نظام اجتماعي رجعي غير قابل للعلاج، بل هي مجرد تأطيرات بشرية، وتذهب النسويات المسلمات أبعد من ذلك ببيان تعارض هذه التأطيرات البشرية مع جوهر العدالة الإلهية التي يعرض لها القرآن، وأن النصوص الإسلامية المقدسة قد أفسدتها أيديولوجيات من تعرضوا لها بالتفسير والتأويل. فحقوق الطلاق وتعدد الزوجات التي اختص بها الرجل، على سبيل المثال، لم تكن منحة إلهية، بقدر ما كانت منحة من الفقهاء، فيما يشبه التراكم الفقهي الذي بدأ من تصور وتعريف الفقهاء الأوائل للزواج كعقد تبادلي على غرار عقود البيع، والتي كانت تستخدم كنموذج لأغلب العقود في الشريعة الإسلامية.

القراءة غير اللاهوتية للنصوص المقدسة
ركزت باحثات المشروع النسوي جهودهن في مجال التفسير ونجحن في الكشف عن الرسالة المساواتية في القرآن، وأن منشأ اللامساواتية الجندرية في الشريعة الإسلامية إنما يكمن في التناقض الداخلي بين المثل العليا في الإسلام والمعايير الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمعات الإسلامية الأولى. فبينما دعت القيم الإسلامية العليا إلى الحرية والعدل والمساواة، عجزت المعايير الإجتماعية في المراحل التكوينية للمجتمعات المسلمة عن استيعاب وتمثل هذه القيم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزها إلى استيعاب هذه المعايير المجافية في الفقه الإسلامي عبر مجموعة من النظريات والفروضيات الفقهية والشرعية والاجتماعية من شاكلة: "المرأة مخلوقة من الرجل ولأجل الرجل"، و"النساء أدنى مرتبة من الرجال"، و"المرأة بحاجة لمن يحميها"، و"الرجال حماة النساء"، و" النزعة الجنسية الذكورية تختلف عن النزعة الأنثوية، وأن الثانية تشكل خطرا على النظام الاجتماعي". وبلغت هذه النظريات أوج تطبيقاتها في القواعد المنظمة لإتمام وإنهاء عملية الزواج، والتي قامت بدور بارز في دعم اللامساواتية الجندرية في المجتمعات المسلمة المعاصرة. ولقد حاولت خلال بحثي في مسألة الزواج والطلاق أن اتعاطى مع هذه الفروض الفقهية لبيان وقوع الفقه الإسلامي أسيرا لنظرياته الشرعية والتي صادفت بعد حين الدعوة القرآنية للعدل والإصلاح.

هذه الأصوات النسوية المسلمة تطأ الآن موطئا فريدا لصياغة نموذج تحولي في الشريعة الإسلامية، وذلك بالكشف عن أن اللامساواة الضامرة فيها لا تعبر عن الإرادة الإلهية، وإنما عن فقهاء ذكوريين. وهذا من شأنه أن يقود إلى نتائج معرفية وسياسية هامة؛ أما على المستوى المعرفي، فإن نجاح هذه الجدلية سوف يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن بعض القواعد التي يدعى حتى الآن "إسلاميتها"، وأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من الشريعة ليست أكثر من مجرد آراء وتصورات لبعض المسلمين، وأنها لا تتجاوز أن تكون مجرد حفنة من الممارسات والمعايير الاجتماعية التي لا ترق بحال إلى مدارج القداسة، وأنها، من ثم، ليست مطلقة ، بل هي بشرية وقابلة للتغيير. وأما على الصعيد السياسي، فإن هذا من شأنه أن يعفي المسلمين من اتخاذ مواقف دفاعية، ويمكنهم من تجاوز الفقه القديم بحثا عن أسئلة جديدة وإجابات جديدة.

إن مثل هذه المقاربة للنصوص الدينية يمكن أن تفتح الطريق، ولو بعد حين، نحو تغييرات هامة وإيجابية في الشريعة الإسلامية لاستيعاب متغيرات عدة مثل المساواة الجندرية وحقوق الإنسان. إن بلوغ هذه الأهداف وصدور تشريع رسمي تتجلى فيه هذه التصورات يعتمد على توازن القوى بين المحافظين والإصلاحيين في كل دولة من دول العالم الإسلامي ومدى القدرة التي تتمتع بها المرأة في تنظيم والمشاركة في اللعبة السياسية والتعاطي مع أنصار الخطابات المختلفة.

ولكن يبقى من الأهمية أن نتذكر ثلاثة أمور:

الأول، أن الشريعة الإسلامية، كغيرها من النظم القانونية، تمثل رد الفعل، بمعنى أنها تتجاوب مع الممارسات الاجتماعية والتجارب الإنسانية الموجودة على الأرض؛ وتمتلك هذه الشريعة الآليات القانونية التي تمكنها من التعاطي مع مطالب المرأة بالمساواة. وفي هذا السياق ينبغي أن نتذكر دائما بأن النظرية القانونية في أغلب الأحوال تسبق الممارسة، أي أنه عندما يطرأ التغيير على الواقع الاجتماعي، فإن الضغط الاجتماعي يؤدي إلى حدوث تغيرات موازية على الصعيد القانوني.

الثاني، أن الشريعة الإسلامية لا تزال حكرا على الفقهاء الرجال الذين يستقون معرفتهم عن المرأة من نصوص وكتابات تعكس حقائق زمن مختلف واهتمامات مختلفة. ولابد اليوم من مصادرة هذا الاحتكار عن طريق شراكة نسائية في عمليات إنتاج المعرفة من خلال قدرتهن على طرح موضوعات جديدة وجريئة.

وأخيرا، ثمة توافق نظري بين روح المساواة في الإسلام وبين البحث النسوي الحثيث عن العدالة، ولعل هذا هو ما يجعل المشروع النسوي في الإسلام يشكل قلقا لأصحاب الآراء التقليدية والمصالح المكتسبة في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي.

الكاتبة؛ د. زيبا مير حسيني: باحثة إيرانية مقيمة بالمملكة المتحدة.
المترجم؛ أ. أحمد بركات: كاتب ومترجم مصري.

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

هايدي والنافذة المستديرة ...


النافذة الصغيرة فوق السرير
 , فرصة الطفل الأولى ليتشجع بالنافذة ويرتبط معها وجدانيا ومكانيا .. يقربها منه حجمها الصغير وشكلها الواضح (البريء ) .. النافذة المستديرة أكثر إيحاء باللطف من المضلعة ( في خيال الطفل والاشخاص الميالين للصراحة ) ..

يحب الطفل منذ ان يتعلم تمييز المرئيات ان يمارس لعبة النظر من خلال الحيز الضيق .. فيغطي عينيه لينظر من خلال شق .. ويبتهج عندما يحجز عنه الكبار جزء من المشهد ليطل على بقيته .. النظر بكامل زوايا الرؤية ( زاوية اكبر من 135 درجة ) من الأمور التي تسبب بعض الرهبة .. يبقى هذا الإحساس بالسعادة والأمان وتبديد الجزع موجودا حتى عندما ترحل الأسباب ويكبر .. يبقى يمرح بالنظر من خلال أشكال فراغية ذات مقطع دائري مثل ( المخروط والاسطوانة ) .. فيلف ورقة ليصنعهما وينظر للدنيا ... او يجمع العلب الاسطوانية ليفتحها من احد جوانبها وينظر من الأخر..  او يرسم باصابعه السبابة والابهام دائرة حول عينه لينظر منها ..وغالبا ما ينظر بها الى تلك الفضاءات الشاسعة التي يطلب دعما لإدراكها (وجدانيا طبعا )

النافذة المرتفعة  الموضع فرصة لرؤية منظر أكثر شمولا .. وبالتالي تعريف اولي اوسع للوطن .. ذلك الفضاء الذي تتعرف ذواتنا ضمن كل حدوده .

في مسلسل هايدي توظف الرواية العالمية هذه العلاقة المكانية (السنوغرافية ) بسلاسة وإقناع عندما تظهر الفرحة على وجه هايدي وهي تتعرف على الكوخ ، ومن ثم تقبلها وحبها لكوخ الجد المتواضع .. لانها ستصعد لسريرها ..( اذا السرير مرتفع وهذا مشوق ، وكثيرا ما يتقارب هذا مع رغبتنا ككبار في النوم او الجلوس بين النجوم ) .. ثم سرير من مادة واحدة ( متجانس البنية والمادة) ثم نافذة تطل منها للوطن بمجرد ان تستيقظ ..

بهذا الخطاب البصري الوجداني المكاني أشارت الرواية للحرية والانطلاق كسمات أصيلة في شخصية هايدي فتاة الجبال ..

مسلسل هايدي رسالة عميقة لحب الوطن ونقرا هذا من الاسم .. ( هايدي فتاة الجبال ) او ( هايدي فتاة المراعي ) .. حيث تأخذ الطفلة سماتها من سمات الوطن ويرتبط اسمها باسمه وتعرف من خلاله .

يزداد الطرح جمالا وعمقا ونضجا مع تقدم الحلقات ، عندما يحاصر هايدي الحنين للوطن وهي في المدينة .. وتشتاق لبيتر والجدة والجد والماعز وكل الشخوص .. لكنها تبحث عنهم من خلال النافذة ..!

تهرع لنافذة مرتفعة وتتحايل وتخطط لتصل اليها علها تشرف منها وترى الجبال ..

ثم تمد عينها لتشاهد المدينة وتبحث عن جبل او ماشية ..

روعة وأناقة وسهولة في التعبير عن العلاقة القوية بين طبيعة الفضاء وهويته .. فهايدي كانت ستسعد كثيرا بمشهد قريب لمشهد تحبه كأن ترى جبل او شجرة او حتى ارض متعرجة وليست مستوية .. لكن اختلاف المشهد او اختلاف الطابع الحضري للمشهد أشعرها بالغربة ..

هايدي تطلق العصافير وترحب بها في نافذتها المستديرة حيث الاستدارة (الرمز الأشهر للإحاطة والاحتواء ، تجعل مما بداخل الدائرة متحد فراغيا وبالتالي وجدانيا) .. فتشعر هايدي – وكذلك العصفور – بالألفة والصداقة ...

الرواية ومثلها المسلسل تطرح مفاهيم فلسفية وعلمية كبيرة ببساطة وإبداع ورقي ، من مثل /

( الانتماء ، الحرية ، الصداقة ، الغربة ، مشكلات الاختلاف الحضري ، السلطة ، الطاعة ، العجز ، الامل ..الخ )


ومن المميز أيضا قدرة الرسام على توظيف الرسوم في خدمة الرؤية الدرامية /

.. فالنافذة لا ترتفع عن السرير كثيرا وهي في منتصفه ، وهذا ليس مذكورا في نص الرواية لكنه ترجمة الرسام لفضاء شكل كل هذه البراءة والانطلاق في شخصية الطفلة .

ونافذة هايدي تسمح بان تسند نفسها على مرفقيها وتسند وجهها بكفيها لتؤكد توجيه نظرها نحو افق بعيد ...

ونافذتها خشبية مثل الجدار وليست غريبة عنه في مادتها .

وهي أيضا مكونة من قطع متعددة وليست قطعة واحدة حتى لا توحي بالاختناق وتشبه قيد .. وهي ليست شديدة الصقل حتى يعزز الإحساس بالملمس الإحساس بالأمان ..

كوخ هايدي الحقيقي وكما تذكره الرواية من الحجارة .. لكن الرسام جعله خشبيا ليحقق انتماء اكثر للمكان ( الوطن ) .


من سلسلة حديث الزوايا ... لمجلة (( بذور )) اشراف الاستاذة خديجة بسيكري .

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

اعترفلك




اه من قلبي نصحته بس عيا ينتصح.. نبضه يبيها
اه منه ليه عيا .. ليه عزم يترك الكون ويجيها
ما عرفت القى لهذا القلب حل
الجواب اقفى في ظله وارتحل
ما بقى لي غير انتي يا غريبه
يارحيل العمر فيني يا حبيبه

سولفي للناس عني
قولي اني ما عرفت اختار من قلبي يحبه

سولفي للناس اني..
ماعرفت اقرا وجوه الحاضرين من الاحبه

اعترفلك اني فعلا ما عرفتك
وما قدرت اوصل مع قلبي لحل وما فهمتك

تجمعين الضد في كل الامور
غامضة مره ومره مثل نور
تشبهين ايام اوقات الخريف
وتمطرين احيان احساسك زهور

صدقيني صرت من بعدك اخاف
واعترف ان الخلاف واسع طريقه
واننا ما نلتقي في اي شي
فينا اختلاف.. فينا اختلاف
للاسف هذي الحقيقه


من قصائد الشاعر الكبير : فيصل بن تركي



الاثنين، 6 أغسطس 2012

تحولات مؤلمة في الخطاب الليبي




المحاضرة للشيخ عمر عبد الكافي بعنوان (وقفات مع القران الكريم ) في قناة ( السيوف )


يقول /

(( في بعض البلاد العربية اذا قلت لاحدهم : روح يا شيخ ربنا يعطيك العافية.
قالك ايه ..؟ ..بتدعي عليا بالعافية ..!! ...........لان العافية عندهم لها معنى ثاني . ))

طبعا يعرف كل ليبي اي بلاد كان يقصد الشيخ .. السنا نحن من نسمي الاشياء بأسماء تخالف معناها .
وهذا من اوضح خصوصيات الخطاب الليبي الذي يفصح عن قيم اخلاقية متعددة .
ولعل الشيخ عرف ايضا اننا نسمي الفحم بياض والاسود اسعد والاعمى بصير ..الخ ، فهل كان هذا عبثيا ام انه يكشف عن ميل ليبي لتزييف الاشياء مثلا ..؟

قد يخطر للبعض ان يدين هذا الاسلوب ويشينه بدعوى التزييف والتزوير ، وسيكون عندها لم يعرف خصوصية الكلام في ثقافة الخطاب الليبي ... لم يعرف ان تحسس الليبيين للفظ عالي وتأدبهم في الكلام اهم اخلاقياتهم التي يحرصون عليها شانهم شأن باقي العرب الا ان الليبيين بحكم انغلاقهم الثقافي والاخلاقي منه بالذات على مدى التاريخ تظهر عندهم الخصوصية الاجتماعية والعرفية بحدة اكثر من غيرهم ... فهذا الذي قال للشيخ ان العافية معناها النار جهل في هويته وظلم الخطاب الليبي بسبب سطحيته وغاب عنه ان من يقول عن النار عافية يقول ايضا ( يعافيك ) بمعنى يديم صحتك وان من يقول عن الفحم بياض يعرف البياض كما يعرفه كل ناطقي العربية بانه اللون الابيض .. الا انه يعتمد على السياق في ايصال المعنى البديل وهذا من التأدب والتأنق في الكلام .

ونفهم من هذا ان الليبي كان يعتقد في كون الكلام ( فأل ) ان خير فخير وان شر فشر ، تماما كما يقول اخواننا في مصر الشقيقة / (الملافظ سعد ) .. الا ان الليبي كان يضيف لهذه القناعة خشيته ان يقبح وارتكاز التقييم الاجتماعي على الخطاب - ولمزيد من الدقة - على الحضور (الرجالة محاضر مش مناظر ) .. هذه ثقافة الليبيين كما ولدت وعرفتهم ايام كانوا يتبعون شرع الله لا شرع الثورات .. !

اذكر اني التقطت في طفولتي عبارة وقلتها امام ابي لأبرر نسياني فقلت ( الشيطان الله يلعنه ويخزيه ) فاستوقفني اطال الله عمره وقال ومن قال امامك هذه الكلمة قلت جارتنا فلانة .. قال لا بل قولي ( الشيطان اعوذ بالله منه ) فالتقبيح يقبح قائله قبل سامعه , لاتعودي لسانك على اللعن .. اطال الله عمرك يا ابي لو قلتها اليوم لاتهمت انك مؤيد للشيطان ومن ازلامه .
..استغرب كثيرا وانا اراك مبتسما واحفادك يرددون ( بو شفشوفة  ، .. ، .. ) والفاظ اخرى تابى علي مرؤتي وتربيتك ان اكررها ..
لما ...؟ اهي ثقافة ليبيا الجديدة .. ثقافة الشتم والسب والتشكيك .. والتنافس من يقبح اكثر ويكتب بأخطاء املائية وبذاءة منقطعة النظير ما يسميه ثورة على الجدران.. ما يبرره بكرهه للظلم المجسد في شخص القذافي اولا ثم امتد ليشمل اشخاص يتبعون القذافي ثم توالد لتدخل كل يوم شخصيات جديدة ثم انتشر الوباء حتى طال المثقفين واهل الادب والجمال فاقتصرت احاديثهم على الشتم والتجريح والفضائح..
نحن جزء من العرب وقامت ثورات  في بلاد عربية عديدة لم يظهر فيها كم البذاءة الموجع الذي اظهرناه.. ونحن اهل المحاضر والفصاحة والميعاد الرازن .. فما دهانا ..؟
 اكره يا اخي وابن بلدي.. اكره واغضب ورد المظالم ، لكن اهزم عدوك بان تكون خير منه .. لا بان تشمت اعداءك فيك .. فقدنا الكثير من ابنائنا فقدنا الكثير الكثير لما ...الم نكرر(( دم الشهداء مايمشيش هباء ))..؟

طبعا هذا التحول الغريب والمتطرف في الخطاب الليبي ليس وليد ثورة فبراير وليس بسبب النظام السابق كما يحب ان يبرر الغالبية .. لانه ببساطة بسبب التربية لا السياسة ، ولن يتأتى لأي نظام سياسي تغييره او تأصيله بل هو تابع كليا للنظام الاجتماعي ومنظومة القيم التي نربى عليها . لان التعبير عن الغضب او الانفعال احد اشهر الصفات التي يرثها الفرد عن اهله اسرته وليس عن رئيس دولته او طبيعة نظام الحكم.

دقق في ردات فعلك وطريقتك في التذمر او الغضب او السرور والابتهاج ، ملامح وجهك زفراتك او اشاراتك ستجد انك تقلد تلقائيا احد والديك او خال او عم لازمته واختزنت ذاكرتك طريقته .

ثم يتم التثبيت في مرحلة الطفولة المتأخرة فيملي الشارع وجماعات اللعب قيمه من خلال التجربة والتداول .. وخاصة في حياة الذكور ، وخاصة في مجتمعات يتعرض فيها الطفل للعنف الجماعي كجزء من تعريف المجتمعات .. حتى يصبح وجود الاطفال معناه الشجار .. ثم يثبت الاسلوب ولا يتغير الا بصعوبة وبوعي ورغبة قوية في التغيير وهذا ان حدث عادة ما يكون تجربة شاقة نتائجها اقل بكثير من جهود بذلت فيها .

وعندما يخرج الطفل ليجد مجتمع لا يعطيه اجابات شافية تبدد مخاوفه ولا يكفل له حماية كافية يضطر لصناعة قانونه الخاص او تصنع جماعات الاطفال قانونها الخاص .. وبما ان المرحلة اصلا هي مرحلة يبحث فيها الطفل عن رموز للقيم واولها الشجاعة ، للأسف يدفع العوز بالأطفال اما للركون للاستسلام ومن ثم صناعة الاكاذيب للتعويض عن قصور الثقة بالذات او التحول الى مجرمين صغار او يكتشفون الخيار الثالث بالصدفة .

والخيار الثالث خيار مشهور وغالبا ما يتمسك به الاطفال ليحتفظوا بالمركز المتوسط بين الطفل الشرس كنوذج مثالي بتقييمهم وبين الطفل المستسلم كأسواء نموذج ... وغالبا ما يتمسك الطفل بالأسلوب الثالث مدى الحياة لانه يمثل قناعة وليس ظرف اضطر له كما الخيارين الاخرين ..

وما ان يرفع عقيرته اول مرة بكلمة نابية وقبيحة حتى يشاهد ردة الفعل العنيفة عند خصمه مما يترجمه هو لنصر ، ثم يكتشف انواع الكلام القبيح المناسب لكل طفل على حدة حسب نوعه فيسب الدين لفلان او يقبح على ام فلان او، او، و قد يقفز او يأتي حركة مرافقة بيديه او لسانه المهم انه عرف الطريقة التي سيكررها ويهجم بها وللأسف ستصبح اسلوبه ..

هكذا وفي هذا العمر ولهذه الاسباب تولد البذاءة لكنها لا تنطلق الا في حالات غياب الرقيب الاجتماعي .. او الخوف الشديد الذي يفقد احدهم السيطرة على ردات فعله فيكشف عن جوهره ..

حتى تراه عضو هيئة تدريس جامعي يقبح لطلابه او مدير شركة يلمع حذاءه ويوسخ لسانه .. يعرف جيلي وجيل سبقه عما اتحدث ولكن ما يشغلني الان هو جيل قادم يشاهد التلفاز منذ عام او اكثر و تقدم له البذاءة على انها قوة وبطولة وتحرر ..طفل يقول له والده او امه قل .. قل كذا وكذا ويصفقون له وكأنه حرر القدس .

الطفل لا يعرف اسباب الحقد التي دفعت ابيه ليستعذب شتم فلان او علان .. الطفل سيتبنى السلوك ويسقطه لاحقا مع اشخاص في حياته فمن نعلمه الان شتمهم لن يكونوا جزء من مستقبله بإذن الله .. لكنه ذاق طعم النصر الرخيص وسيستعذبه وسيحرمه من لذة الهمة العالية والنصر العزيز .. وقد يقبح يوما على ابيه وامه ...اليس حريا بنا ان نلفت نظره مثلا الى ان سيف قال كلمة قبيحة شتم بها العرب والجامعة العربية فحرك غضبهم وعداوتهم واثبت عجزه ...وهكذا ننتقم من سيف وابيه بإظهار عيوبهم لا بإظهار عيوبنا .

اي ليبيا مستقبل هذه التي سنصنعها بالشتم والركون لانتصارات كلامية وليتها انتصارات حجة بل هزائم سباب ..حتى ان البعض يختلق صراعات وهمية بين فئات الليبيين فقط كي لا تنتهي نشوته بإحساس المتفرج على المبارزة والقائم طبعا على وجود فريقين .. وهذا ايضا مما تعلمه في الشارع و اعتاده من سلوك فنحن شعب يتجمع حول العراك بسرعة غريبة للفرجة والمتابعة وليس للمصالحة .

طفل اليوم رجل الغد .. بُذل كل ما بُذل لكي ينعم هو بحياة سعيدة فكيف سيسعد بلا اخلاق ..؟

الا يردد الجميع ان الغالي يهون في سبيل الوطن .. طيب ماذا يبقى للوطن ان ذهبت اخلاقنا .. وذهبنا .. اللهم ارزقنا اللطف .. وتلطف بنا يا لطيف يا كريم .. بجاه شهرك الكريم .


للفائدة /

http://www.alqudstalk.com/forum/showthread.php?t=3910





الأربعاء، 25 يوليو 2012

الثلاثاء، 22 مايو 2012

العاديات ضبحا ..



يقول الشاعر عبد الهادي بو نصرالله الدرسي /


(( انتي شوفك شوف منعل .. خماس متل ..ربط في ظل .. بين سلاسل .. عليه اسمل

ويش تخايل ..؟ تنفض تل .. بهن بالكل .... قند خلاهن وين صهل

....... غزو هلها جابوا لفخار .. ورد البل .. وجاء ينجل ... عزيب اريل

اسمه خايل .. استاحش قناصين جفل ...انت شوفك.. ))

تتالق الحركة بكل متغيراتها ويتشكل الفضاء اللامحدود المعرف من خلال مسار الحركة في هذه اللوحة الشعرية
الجميل ان الشاعر يستهل النص باشارة الى الظاهرة الدرامية البصرية فيقول ( انتي شوفك ).. وهو هنا لا يتحدث عن الشكل بل يتحدث عن الاثر الانفعالي للمشهد .. فمؤكد ان لا مشترك تكويني بين شكل المحبوبة وشكل الحصان ( منعل ) المربوط في سلاسل وحطمها لينطلق مذعورا (جفل )..
والموقف الدرامي المتمثل في انطلاق الحصان وتحطيمه لقيده وجريه ثم توقف حركته فجأة (صهل )هو حالة من حالات الظاهرة الدرامية المتمثلة في حركة عنصر وانطلاقه في مسار واضح وتوقف الحركة المفاجئ والدال على قوة الشعور لدى العنصر المتحرك والدال على الحياة فيه فالأجسام المادية لا تتوقف فجاة بل تتحرك وفق حركة تناقصية متوقعة حتى تسكن ولكن الاجسام الحية صاحبة الفعل المسؤل هي القادرة على التوقف ومن ثم تصبح القدرة على التوقف اشارة لقوة القرار والسيطرة ، لذا يستمر مشهد الحصان المتوقف فجاة  مشهد موحي بالقوة والعنفوان ، مهما تغيرت الازمنة او الاماكن ، ثم من طبيعة الكائنات الحية اصدار الاصوات في حالات الانفعال مما يعطي للموقف مصداقية اكثر وهنا صوت الصهيل المتزامن دائما مع توقف حركة الحصان.

ثم لا يغيب علينا مؤشر التحول المادي للكتلة (التحطم للقيد)المتمثل في قول الشاعر (قند خلاهن) اي بمعنى حطام وهو هنا يقصد ان صهيله ترافق مع تحطم السلاسل,,

اذا بتحليل الظاهرة والموقف معا الجسم (الحصان ).. المسار خط مستقيم .. نهاية الحركة (الصهيل وتحطم القيد )

ومن ثم يمكننا محاكاة هذه الظاهرة في مواقف تمثيلية تشير للحركة الموجهة مثل مشهد طفل يجري نحو امه او شخص حزين يجري ليرمي بنفسه على اريكة او فراش .. هنا يجب ان نلاحظ ما سنوظفه من مؤشرات لتخدم الموقف الدرامي فنختار مثلا ملابس تبدو فيها قوة حركة العنصر المتحرك (جمال حركة الخيل من تناسق تكوينها ووضوح حركتها) .. ووسط يحدث رد فعل واضح للصدمة قماش لين وله لون واحد مثلا واريكة غير مشدودة بحيث تظهر اثار الاصطدام عليها وهكذا ..

الظاهرة الدرامية ليست موقف .. لكن الموقف الدرامي هو محاكاة لاحد الظواهر ومن هنا فان قراءة الظاهرة تمكننا من الوصول للغة التعبير الدرامي بيسر ، بخلاف لو توقفنا عند دراسة المواقف الدرامية وحدها ..


وشمولية الظاهرة الدرامية وثبات دلالتها يدل عليها علاقتها الازلية بالادراك البصري مما يجعل منها اللغة الاصدق والادوم صدقا .. مما يؤهلها لتكون مادة للقسم القراني المعجز ..

ففي نفس الظاهرة ونفس الموقف يتحدث القران الكريم في سورة العاديات عن جلالة المشهد مستحضرا اثره في التصديق والاقرار بالحق فيستهل به صورة العاديات ..

بسم الله الرحمن الرحيم

(( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) )) صدق الله العظيم


ولن نتعجب ان الاشارة تكون لنفس مؤشرات الظاهرة فالحق سبحانه يشير للخيل ويشير لصوتها عندما اجهدها الجري (ضبحا ) ويشير لاثر حركتها في الوسط (الموريات قدحا ) ثم تبدل الاضاءة مما يرمز لطول زمن الحركة(فالمغيرات صبحا ) وتغير الاضاءة ترافق مع تغير المؤشر الدال على التاثير في الوسط فالقدح كان في الظلمة اما عندما وصلن في الصبح كان الاثر باديا في تناثر الغبار تحت ارجلها (فاثرن به نقعا ) ثم تختم الآية بالإشارة لخاصية الموضع التي تمثل نهاية الحركة فوسطن به جمعا )

مؤكد ان لغة القران وخاصة في سياق القسم لا تقارن في عمق دلالتها وخصوبة توظيفها للمؤشر بلغة البشر وان كنت اخترت هنا نص يعتبرمن اجمل و اشهر نصوص التراث الليبي في التوظيف الا ان القران سبحان الله فوق ان يمثل ..
وفي نفس المعنى قول بشر بن أبي حازم :
فوسطن جمعهم وأفلت حاجب تحت العجاجة في الغبار الأقتم

جمال الآية في كثرة المؤشرات وتعدد مستويات الاشارة فيكفي مفردة ( نقعا ) كيف اشارت لحالة سكون سابق سواء كان المادة (ماء او تراب ).. وقدحا كيف اشارت لطبيعة الاجسام المصطدمة ولقوة الصدمة .. نحن لن نعطي الاية حقها ولن نحيطه لذا نكتفي بالحديث عن الظاهرة بخطوطها العريضة .. غير ان الملفت ان الملحدين وفي غياب التأويل البصري للنص القراني يتجرؤون على هذا النص بالذات بدعوى ان المسلمين يقسم ربهم بحوافر الخيل .. وهو تقول سطحي جدا اذ يتحدث عن طبيعة العنصر رغم ان الحق سبحانه اقسم بالعاديات اي الخيل وليس بحوافرها ولكن التفسير البصري للمشهد وفق الظاهرة يوضح ان المعنى تجاوز الاجسام نفسها الى الحديث عن الانفعال الوجداني المرتبط بها او ما نسميه الاثر الدرامي للموقف ..


ومن هنا فان قراءة الاية والنص الشعري كظاهرة درامية تكون كالاتي /

1- عناصر درامية / (الشخصية وهي هنا الحصان )، والمنظر وهو تفاصيل الفضاء ومؤشراته / قدحا (ضوء ومادة ) ، نقعا (حجم ومادة وموضع ) والصوت (صهل ، ضبحا )

2- فعل درامي (بداية ، ذروة ، نهاية ) / وهي في في المثال الاول انطلاق الحصان من سكون ثم انتفاضه وجريه ثم تحطيم القيد والصهيل ) وان كان النص الشعري غير تراتبية تسلسل الفعل الدرامي فختم بالذروة الانفعالية (الصهيل )

الا ان في الاية يبداء الفعل الدرامي بوصف للفعل (العدو ) وهذا من بلاغة القران ومن ثم الاشارة الى الذروة بقدحا واثرن نقعا ) ثم النهاية بالاشارة لخاصية الموضع ( فوسطنا به جمعا ) .

3- قوى محاكاة (خاصية الايهام ) / ويشارلها من بداية النص الشعري بجملة (انتي شوفك شوف امنعل ) وتغيب عمدا في النص القراني لان السياق سياق قسم .

4- خصائص درامية مساندة للمحاكاة (التوتر الدرامي ، الصراع الدرامي )

5- خصائص درامية خاصة بالمشاهد (الانتباه ) .

6- الاستراتيجيات الدرامية(استراتيجية الوحدة ثم التناقض )،

ومن هنا فاننا لانستغرب انها تسبق الاية التي تبداء بان /
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)

لان حالة الصحوة التي سياخذنا لها المشهد ( الانتباه ) ستمهد لان ننصف الحقيقة التي نسمعها ونقر بها وهي كون الانسان لربه كنود بل ونشهد ، سبحان ربي اذ يقول على لسان حالنا وانه على ذلك لشهيد ، وانه لحب الخير لشديد ..

ثم تلحق بها ظاهرة بصرية درامية اخرى وهي بعثرت القبور وتحصيل ما في الصدور .. وهي بخلاف الظاهرة قيد التحليل لكنها اشارة لقدرة الله سبحانه وتعالى على التعامل مع عبيده من خلال الظواهر (الجمع والبعثرة ) ..

ومن الاشارات المهمة في سورة العاديات كونها توظف المؤشرات لتعريف الفضاء (طبيعة الفضاء ) المادة ، الملمس ، الضوء ، التموضع ، التكوين (العاديات خيل ولسن حصان واحد ) كما انها تعرف الفضاء من خلال الاشارة للزمن (الموريات قدحا ، المغيرات صبحا ),,

وفيما يتعلق بالفضاء فأروع ما في الموقفين امتداد الفضاء ولا محدوديته وتعريفه من خلال حركة العنصر (الشخصية ) والذي هو الحصان او الاحصنة .. هذا مما يعطي للموقف جماله وايحاء بالحرية مما يميز مشهد الخيل دائما ويرتبط بها ليكون اشارة سيمولوجية للحرية والانطلاق .. وكذلك ضهور الاثر في الوسط الذي يمثل طبيعة مادة الفضاء وهو الماء او التراب الذي يتطاير تحت اقدام الخيل .

وتكاملا مع ما سبق فاننا لن نستغرب اجماع البشر في كل العصور وفي كل المناسبات (المواقف ) على استعمال الخيل كنموذج جمالي .. الا ان الظاهرة تحدثنا بان الجمال ليس في الخيل وحدها بل يمكن محاكاته في حركة مشابه وفضاء يحقق نفس المؤشرات للوصول لنفس الرسالة الدرامية .. ومن مثل هذا حركة الطائرات والسيارات في الاستعراضات الا انها اجسام ثابتة تفتقد لشفافية التعبير التي يعطيها الحصان بجسمه عندما يتحرك او يعطيها عصفور بجناحيه حتى يحط على غصن شجرة مجددا ..

فتفكيك الظاهرة الى مؤشرات يجعلها نموذج للغة التعبير البصري يتم محاكاتها في مواقف عدة مثلا/

اشارة البداية من الظلام الى النور او الاضاءة الاقل الى الاضاءة الاكثر هي مؤشر مهم للضاهرة ونقراءه في النص الشعري بكونه بداء النص بقوله (ربط في ظل ) والظل اشارة سيمولوجية تتكامل مع السكون ، ونقراه في الاية بان الخيل انطلقت في ظلام ( موريات قدحا ) ووصلن في صباح ( فالمغيرات صبحا ) ..

ثم نلاحظ في المثالين العلاقة بين وصف الظاهرة وتتابع الاحداث المواقف الدرامية ففي النص الشعري يتضح التتابع من السرد ( الحصان واقف في الظل ثم ( تخايل ) ثم انتفض ثم تل بمعنى انطلق ثم حطم قيده وصهل .

وفي الآية الكريمة يبدو التتابع الدرامي معززا بالفاء وهي لغةً تفيد تعاقب الحدث ..

ومن هنا نلاحظ ان الظاهرة الدرامية هي تتابع لمواقف درامية وعلاقات بينها في فضاء معبر عنه بمؤشرات تتناسب معه .

ويمكننا ايضا ان نلاحظ احساس اللون في النص الشعري عندما يقول (منعل ) وهذا وصف للون ارجل الحصان وهذا من جماليات الصورة التي يعطيها لنا توضيح خط الاتصال بين الاجسام والارضية التي تقف او تتحرك عليها .. وهذا الغرض هو نفس الغرض الجمالي المقصود من تلوين اسفل جذع الشجرة في الحدائق - وان كان اجراء تشكيلي غير ناضج – او تغميق خط الارض في الواجهات المعمارية او توظيف الاضاءة الخلفية مما يعطي خط افق مضيء للشكل .. الكثير من الصور نقراها وتعجبنا ويمكننا توظيفها لكن يجب ان نلاحظ علاقتها بغيرها من المؤشرات حتى لا نخطئ في التوظيف ونحقق الايحاء المطلوب والرسالة السيمولوجية المقصودة .. وخير دليل لنا هو قراءة المفردات والمؤشرات من خلال الظواهر الدرامية .

.

الأحد، 20 مايو 2012

إعلان عن ورشة عمل للفنون البصرية


تعتزم منظمة فال للتنمية البشرية بالتعاون مع قسم الفنون بالمعهد العالي لتقنيات الفنون اقامة /
 ورشة عمل حول " تحليل الظاهرة الدرامية في الفضاء "
 خلال الفترة من 26 الى 28 مايو وذلك في المعهد العالي لتقنيات الفنون ( زاوية الدهماني ) من الساعة الخامسة مساءا وحتى الثامنة مساءا تدير الورشة الاستاذة الناقدة (وفاء الحسين).
......
 تعني الورشة بتعريف الظاهرة الدرامية و تحليلها سيمولوجيا ... وخلق أساليب محاكاة في مواقف درامية تعطي للفضاء معناه وحدوده المكانية والزمنية .. بغية الوصول الى خطاب بصري أكثر تأثير في العمل الفني المرئي ..

وتعتمد التعريف بالمفاهيم التالية /
1- الخطاب البصري ، وتحولات الدلالة للمفردة البصرية واختلافها مع الزمن والثقافة والبيئة .
2- الظاهرة الدرامية ، الموقف الدرامي وخصوصية تأثيره على المتلقي ، الاخ...تلاف بين المتلقي خارج المشهد ( لوحة ، مسرح ) والمتلقي كجزء من المشهد (عمارة ، سينما ) .
3- الفضاء ، والمفردات والأنساق البصرية .
4- تعريف مؤشرات الفضاء وعناصر تحديده ( الضوء واللون والشكل والملمس والمادة )
5- البعد الرابع للفضاء (الزمن ) وعلاقته بالحركة ..
6 – خواص التموضع والتأثير المكاني للمفردة البصرية
7 – أمثلة لبعض الظواهر وتطبيقاتها في العمل الفني من خلال المحاكاة .
.......................
 تعتمد الورشة  الخطاب البصري كلغة رسمية فتلتزم بتقديم المفاهيم من خلال مجموعة صور وافلام  لمناقشتها .
وتفتح باب المشاركة لكل المهتمين بالفنون .
......


الثلاثاء، 15 مايو 2012

اغرب عليك مغرب الله




اغرب عليك مغرب الله وأنتي كما أنتي ما تغير حالك

انحن لقديم سوالك

ياللي كثيرة مواجعك ياللي صعيبة أحوالك

امتى أصداف يلمنا ، ونزها بعد مشغالك

هالعين ما غفت مسا ، لاهمدت في ليل ..

... وهالعين .. ما هانت غلا ، لا ع المسار تميل ..

أنا وين ..؟ وانتي وين ..؟


اغرب عليك مغرب الله وانتي كما ا انتي

ذابلة .. خسارة ربيع يصيف

لا بان في ليلك قمر

لا جاد في غيمك مطر

لا هاج في شطك بحر

تنسي وليفك كيف ..؟

و انا في سماك نجوم .. وقادة وقمر.. يضوي مسارب ليل

و انا في شتاك غيوم.. ودادة ومطر.. دافق عقابه سيل

نا وين ..؟ وانتي وين ..؟

مانك طليقة يد ..

دوني ودونك حد ..

لالك جناح اتطيري ..

وطيري طليق ايطير .. يرحل مسافات ومدى سارح طليق سراح .


الشاعر / عياد نجم


http://ayadstarstar.blogspot.com/

طليق سراح .. إنطلاقة مباركة  لمدونة الشاعر الكبير عياد نجم

الأربعاء، 4 أبريل 2012

اثر تنوع الألوان والأشكال في إبداع الطفل

 من زينة الحياة أن نحظى بأطفال أصحاء وأذكياء وموهوبين ومتميزين، ونتتبع السبل التي تحقق هذا الحلم فهلا اعدنا قراءة القرآن لنستشف السبيل القرآني لتعزيز هذه الصفات..

"ألم ترى ان الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه كذلك يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور" فاطر28

"الم ترى ان الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب"الزمر 21

ومن أياته خلق السموات والارض واختلاف السنتكم والوانكم ان في ذلك لأيات للعالمين" الروم 22

" وما ذرأ لكم في الارض مختلفا ألوانه ،إن في ذلك لأية لقوم يذكرون" النحل 13

باستعراض هذه الايات نخلص للاتي/

1- يعتمد القرأن استدعاء الذاكرة البصرية ومخزونها لتحقيق تلقي واعي لاياته وهذا بدليل استهلال النصوص بتساؤل  ألم ترى ؟

2- يربط القران بين هذه القراءة البصرية او الثراء التشكيلي والاستيعاب او التذكر.

3- يطلق الخطاب القراني لفظ اللون بمعنى [النوع و التكوين واللون] اي مجمل الادراك البصري او التقييم التشكيلي.

4- يشير الطرح القراني لكون العلماء او اولي الالباب هم وحدهم من سيستفيدون من هذه القراءة البصرية .

5- اعتماد  الخطاب على الذاكرة البصرية عوضا وتفضيلا عن المعالجة اللحظية يؤكد اهمية دور مرحلة القراءة، فما نتلقاه في طفولتنا هو اثبت  مما نتلقاه في كبرنا..

6- وتؤكد النصوص على اهمية التنوع التشكيلي في تنشيط الذاكرة وتقوية الاستيعاب  وتحفيز النشاط الذهني والبدني وتطوير مواهب المتميزين.

 وهذا ما تؤكده سيرة معظم الاسماء المميزة ابداعيا فبقراءة سيرة احدهم لن يغب عنك اعترافه باثر بيئة النشئة - البصرية بالذات- على ذكائه وقرأته وحبه للجمال او الابداع  وسعة خياله وتركيزه وقدرته على التحليل..

 ففي سيرة شارلي شبلن مثلا قرات ان اكثر ما يذكره في طفولته هو باقات الزهور المتراصة التي كان يشاهدها كل يوم بصحبة امه.. وساحتنا الليبية والعربية تعج باسماء كثيرة محط فخر لنا من كتاب ومفكرين وعلماء وفنانين  لازالت بيئة النشئة ومخزونها البصري زادهم في رحلة العطاء، فالبحر والشلال والجبل والغابة وانسجة بيوت البادية(بيت الشعر) والمروج والاشجار و خيالات الصور البعيدة وتفاصيل القريبة ،كلها  كانت الاستاذ الذي علمهم الابداع وحب الحياة.... والسؤال هنا كيف نوظف هذا عمليا ؟

 طبعا الرحلات المتكررة برا وبحرا -والسفر ان امكن- والشرفات والنوافذ مميزة الاطلالة، وتشجيع هوايات من مثل جمع الطوابع او القواقع والتصوير والرسم والتكوين والنحت واصطياد الحشرات وتعقبها..  وتربية النباتات واسماك الزينة وطيورها ومشاركة الاطفال في اختيار ملابسهم واكسسوارهم والتعليق على منجزاتهم واختياراتهم البصرية، كل هذا جزء من كثير قد نقدمه لابنائنا لنربي فيهم ملكة القراءة البصرية..

اما ما اخترته اليوم ليكون موضوعي لمجلة البيت هو غرفة الطفل والتي تشكل اكثر البيئات البصرية تاثيرا على اطفالنا خاصة في زمن البيوت المغلقة والشوارع الفقيرة تشكيليا، والتي نحرمها عليه خوفا منها..!

 و تاخذ غرفة الطفل اهميتها من/

اولا/ طول فترة تواجد الطفل فيها...

  ثانيا /هي اول حيز فراغي يشعر الطفل بانتماء له..

  ثالثا  / وهو الاهم، كونها البديل الحسي للأم..! فبعد نمو الطفل بداخل جسد امه تتغير بيئته ليكتفي بالالتصاق بها ويستمر يدرك من خلالها  دنياه..

ثم يبدل هذا الحضن بسريره، وصورة وجه الام  الودود  بصور عدة تحيطه في غرفته..

هذا الانتقال يجب ان يكون رحيما وانسانيا كفاية.. فاي مفروشات واي عطور واي اضاءة واي صور ستعوض ما يحدثه افتقاد الام ؟..

 فاذا حققنا ألفة بين الطفل وغرفته- ولعبه  كجزء منها- فاننا سنحافظ على مستوى من الاستقرار الوجداني  يشكل ركيزة تربوية.

 فالوسادة  تلعب دورا اكبر اذا استطعنا ان نحولها للعبة بنقش عيون وفم مثلا او اضافة ما يشبه اذان ارنب  وباختيار حشوة  ناعمة وقماش طبيعي وتعطيرها بعطر الام مثلا وغيرها من الحلول..

 وعندما نجهز عالم الطفل هذا نحتاج لحياد عادل يمكننا من تجاوز تفضيلاتنا وتبني احتياجاته والتي اهمها التنوع وتعدد الالوان وقوتها وحيويتها ووضوح التكوينات والنقوش والرسوم فالطفل يميل لتكملة الاشكال الناقصة فان زاد النقص عن حد خياله يصبح  سببا لتعجيزه ونكوصه.. بعكس الكبار الذين قد تشكل الاشكال الناقصة لهم رموزا واشارات اشتراطية.. فالخطوط والدوائر والمربعات والاشكال المغلقة عامة، متطلب تشكيلي مهم في عالم الطفل وان بدى بدائيا بالنسبة لعالم الكبار..

 وان كنا ككبار نجتاز عدة بيئات بصرية يوميا مما يسبب لنا نوع من الضغط نحتاج في بيوتنا لفراغات ذات الوان هادئة  وباهتة تخففه، فان الطفل القابع في البيت يحتاج  لالوان تخرجه من رتابة  استمرار المشهد فان كان المشهد غنيا بالتفاصيل - اشكال والوان - المثيرة  فان اكتشاف كل منها على حدة قد يحقق القراءة الممتعة و المرجوة.

 ولن يغيب عنا ان الغرفة هي عالمه فهي تحوي اللعب والكتب وصور الاحباب والملابس والاهم السرير...

 فاذا كانو عدة اخوة في غرفة واحدة فهذه فرصة لوضع اسرة متجاورة تعزز العلاقة بينهم وتحدث انسا ومودة.. إلا ان هذا يحتاج لتاكيد الخصوصية الفردية بان نكتب اسم كل طفل اوحرفه على ما يخصه ونستغله كاداة تشكيل مرحة... ونحرص على توفر العدد الكامل  والمتساوي من كل ممتلك كالارفف والادراج وحتى السجادة الصغيرة تحت القدم..!

 اما فرصة وجود اللعب فهي الى جانب دورها التشكيلي المهم للمصمم في استحظار روح الطفولة، فانها فرصة ليشارك الطفل في تشكيل الغرفة من خلال عرض لعبه في انحاءها..

واخيرا ولاهمية دور الضوء، الفني في التشكيل، والنفسي في بعث الامان، فلن انسى التنويه على اثر تسلل الضوء وانعكاسه على مكونات غرف اطفالنا  الاذكياء المرحة والمشرقة...


مثال لأمكانية تحقيق التنوع  في اللون والشكل والمادة وتوفير التميز والخصوصية رغم محدودية المساحة

تداخل الاجزاء وتجمعها حول مركز يتحرك الاطفال حوله ويكتنفه النور  جعل من هذا التصميم عالم من التميز والمرح والخيال يشجع على دعوة الأصدقاء للتنزه فيه

في حال تطابق اللون يمكننا كتابة أسماء الأطفال ،أو أسماء أخرى يختارونها لأشياءهم لتاكيد الملكية


أما في حال وظفنا التنوع اللوني فيمكننا الحصول على جلسة  ناطقة بالوان قوس قزح


 الجدران بلون واحد قوي وساطع ، لكن أحدها (المواجه للسرير ) يحكي قصة ملونة قبل النوم


ستارة بيضاء تفصل عالمين ملونين لتعطي كل منهما هويته ،  تعتمد  في تشكيلها على كرات  ملونة متتابعة تنتظم مثل كورنيش يعزف بايقاع لوني هادئ ممهدا لأحتفال اللون القادم .


عندما يسقط الضوء بشكل مباشر ( نافذة شرقية مثلا ) يفضل ان لاتكون الأسطح ذات الألوان القوية مواجهة له




رغم ان نسب الألوان لبعضها جميلة ودقيقة ، إلا ان نسبة المساحة الملونة  للفضاء ككل لاتتفق مع الايقاع المعتمد للنسق اللوني



 التنوع في اللون يتكامل مع تنوع اتجاهات التشكيل ( مقلم، مزركش ، وحيد اللون )

غياب التنوع في الوان الأرفف والأدراج وحضوره بشدة في السجادة وحدها جعلها نقطة جذب بصري مما يتوافق مع وجود حروف تعليمية

بعد أن كبر طفلنا المبدع ، يقتضي الامر ان ننقص من درجة التنوع اللوني  باتساع محيط لعبه وتعدد الصور التي تختزنها ذاكرته

 وفي هذه الغرفة يحافظ المصمم على توقيعات من البرتقالي والازرق ، كما يحافظ على تعدد اتجاهات التشكيل (جدار مزركش ، وسادة مقلمة ، سجادة وحيدة اللون )

 وجود علبة الأوان وكتاب الصور على المنضدة ، يخبرنا ان فناننا الموهوب استمع جيدا لخطاب اللون وها هو يعيد  سرده ممزوجا  بخياله

وفاء الحسين...

تنويه /  نشر بمجلة البيت - 2008 

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

الجمعة، 2 مارس 2012

الإسلام وعمارة الأرض

جمال الهمالي اللافي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{
خَلَقَ الإِنسَانَ , عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}- سورة الرحمن


رغم تراجع المسلمين عن الإسهام في صياغة الحضارة الإنسانية المعاصرة، إلاّ أن الإسلام كدين سماوي لا يزال يقدم نفسه- منذ بزوغ فجره على الإنسانية جمعاء- على أنه دين عبادة ومنهج حياة ، كتب انطلاقته الأولى مع بداية الخلق ونزول آدم أبو البشر عليه السلام إلى الأرض محملاً بجميع المعارف والعلوم التي تستوجبها قضية عمارة الأرض وإرساء دعائم العبودية لله الواحد القهار:
{
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)}- سورة البقرة.

وازداد تعمق وفهم البشرية ووعيها للكثير من الأمور المرتبطة ببيئتها عبر عدة مراحل من التطور التدريجي، الذي لم يكن من قبيل الصدفة التي نادى بها " داروين" عبر نظريته" النشوء والارتقاء"، كما أنها لم تكن مبنية على تراكم الخبرات البشرية- كما يشيع علماء الاجتماع في الغرب وتلامذتهم المتغرّبون-، وإنما هي نقلات نوعية حققتها البشرية من خلال سلسلة متواصلة من الرسل والأنبياء، الذين جاؤوا ليحققوا غايتين:
الأولى: وهي الأهم تصحيح الإختلال في عقيدة البشر والدعوة لتوحيد الخالق وأحقيته بالعبادة.
الثانية: استكمال مراحل عمارة الأرض، وبناء العلاقة المتوازنة بين الإنسان ومحيطه البيئي.

{
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61)}- سورة هود.

وسنسوق هنا بعضاً من هذه النقلات النوعية التي تمت على يد هؤلاء الأنبياء والرسل عليهم السلام- بدءا من آدم أبو البشر عليه السلام وانتهاء بخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم- من خلال ما ورد ذكره في الكتاب الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه( القرآن الكريم)، ونلفت النظر هنا إلى أن هذه الأشياء لم يكن لها أصل أو وجود قبل أن يأتي بها هؤلاء الانبياء والرسل عليهم السلام:

1.
دفن الموتى/
{
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثـْـمِي وَإِثـْـمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ(31)}- سورة المائدة

2.
سفينة نوح/
{
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)}- سورة هود.

3.
بناء البيوت بالحجر/
{
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين( 96 )}- سورة آل عمران.

4.
تأسيس علم نظم الإنشاءات في المباني/
{
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم( 127 )}- سورة البقرة.

5.
بناء القصور وصناعة الزجاج والغوص في البحار/
{
قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين( 44 )}- سورة النمل.

{
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ( 35 ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37)}- سورة ص.

"
أي أن صناعة البناء وصناعة الزجاج والغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ ليست اكتشاف إنساني بل هي من مهارات الجن التي تمّ توصيلها كخبرة للبشر بعد ذلك عن طريق نبي الله سليمان عليه السلام".

6.
تأثيث البيوت وبناء الحصون وصناعة الملابس/
{
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)}- سورة النحل.

7.
صناعة الحديد/
{
وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}- سورة سبأ.

{
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}- سورة الحديد.

8.
الاقتصاد/
{
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}- سورة يوسف.

9.
صناعة السدود/
{
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}- سورة الكهف.


الإسلام والعمران/
إدراك حقيقة أن رسالة الإسلام هي امتداد طبيعي لباقي الرسالات السماوية التي سبقته، ومكملة لها. كذلك الإقرار بإسهام الرسالات السماوية في إرساء دعائم الحضارة الإنسانية على وجه الأرض، سيقود إلى فهم وتبيان العلاقة بين الإسلام كرسالة سماوية وما أنتجته الحضارة الإنسانية في مجملها وما أنتجته في مجال العمران تحديداً، من خلال استعراض موقفين أعتقد أنهما يشكلان نقاط مرجعية لكل ما بعدهما من مواقف وأحداث في التاريخ الإسلامي:

الموقف الأول/ مرتبط بقصة سفّانة بنت حاتم الطائي حين مر عليها رسول صلى الله عليه وسلم وهي في السبي، فقامت إليه، وكانت امرأة ذات وقار وعقل، وقالت له:
«
يا محمد أرأيت أن تخلي عنا، ولا تشمت بنا أحياء من العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيىء، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلّوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق». ثمّ قال:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". (صححه الألباني في الصحيحة).

حديث شريف، يرسي منهجا في كيفية التعاطي مع الآخر المختلف عنّا والمغاير لنا في منهجه وعقيدته، كما يؤسس لكيفية احتوائه، وذلك باحترام ما يملكه من قيم لا تتعارض مع الإسلام في شئ.

أما الموقف الثاني/ فيتعلق بوصية الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه التي ألقاها في توديع جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما المتوجه إلى مؤتة للثأر لمقتل الصحابة على يد الروم، حيث قال:
(
يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها. وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم اللّه).

ستة مبادئ استخلصها أول خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق):
1.
النهي عن الخيانة والغدر لما فيهما من نقيصة وتضييع للأمانات بين الناس، وهدر لحقوق الآخرين، ونقض للمواثيق والعهود، وفقدان الثقة بين الناس.
2.
الابتعاد عن الغلو لما فيه من تكلف وتشديد على النفس، وتنفيرها من قبول الدعوة.
3.
عدم قطع النخيل أو حرقه أو قطع الأشجار المثمرة ( رفض سياسة الأرض المحروقة التي تعتمدها الجيوش الصهيونية والصليبية والماجوسية). وعدم ذبح المواشي والأبقار أو الإبل إلاّ لضرورة الأكل.
4.
عدم إفزاع الآمنين أو ترويعهم من العبّاد والناسكين المنقطعين للعبادة، ولا شأن لهم بالحروب . وعدم تبرير هدم دور العبادة المتعلقة بالأديان الأخرى (يشمل النهي اليهود والنصارى فقط) لأي سبب كان. (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256))- سورة البقرة.
5.
قبول ما عند الآخر من اختلاف لا يتعارض بالضرورة مع ما أحل الله من ألوان الطيبات( أكل، ملابس، فنون وعمارة، ثقافة، علم، سلوكيات وعادات، مكارم الأخلاق) ، وذكر اسم الله على كل شئ.
6.
التفكير يجب أن يتجه تحديدا لمقاتلة المحاربين الذين أعدوا عدة القتال للصد عن تبليغ دعوة التوحيد، وإيصالها للناس أجمعين. والنهي عن التمثيل بالقتلى في المعارك، لما ينم عنه من قسوة في القلب وتشفي وانتقام لا مبرر له، يفسد الغاية الأسمى من هذه الفتوحات. كذلك عدم التعرض للأطفال والشيوخ والنساء، لأنهم غير قادرين على القتال وعاجزون عن الدفاع عن أنفسهم.

بفهم الصحابة، رضوان الله عليهم جميعا، لهذين الموقفين وأبعادهما الأخلاقية استنبطت جيوش الفاتحين من الصحابة والتابعين خطاباً حضارياً تأسس منهجه على مجموعة من المبادئ، التي شملت كل مناحي الحياة، يستمد منطلقه من كتاب الله وسنة نبيه، والذي تجسد في كلمة الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه، لمّا دخل على ملك الروم: "إن الله بعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" .وبه حملوا مشعل الحضارة إلى كافة أرجاء المعمورة:
خطابا ينبني على الصدق والوضوح وبساطة الطرح.
خطابا ينبني على الأمانة وحفظ العهود والمواثيق.
خطابا ينبني على الإنصاف ويستوعب الآخر برحمته وسماحته وعدله.
خطابا غير إقصائي ولا استعلائي، يقبل الآخر كما هو، ولا يملي عليه ما يجب أن يكونه.
خطابا يحترم معتقد الآخر ويستوعب ثقافته وقيمه ومنجزاته.
خطابا يقدم حلولا للمعضلات والإشكاليات التي تواجه البشرية جمعاء.
خطابا تفاعليا يقبل مثلما يعطي ويحترم تنوع التجارب والخبرات السابقة.
خطابا لا يتعارض مع السنن الكونية، بل يتواصل معها ويدعمها، ويعيد تسخيرها لما فيه خير البشرية.
خطاباً ينبنى على عمارة الأرض وليس السعي في خرابها، ويصون مقومات البيئة الطبيعية ولا يتعدى عليها، ويأخذ منها على قدر، بلا إفراط أو تفريط. كما ينبني على الاستعمار( من العمار) وليس الاستدمار( من الدمار).
خطابا منفتحا على كل مباهج وطيبات الحياة وألوانها ما لم يكن محرما بالضرورة لفساد منبته أو تحقيق ضرره على النفس والمجتمع.

ومن هذه المبادئ يمكن فهم الخطاب الحضاري الإسلامي من مسألة عمارة الأرض، فالمسلمون من خلال استيعابهم للسنن الكونية والخبرات الإنسانية المتعاقبة- التي هي نتاج رسالات سماوية سابقة- عند تعاطيهم مع البيئة الطبيعية واستيعابهم للحلول المختلفة، لم يكونوا بحاجة لتفكيك أي نسيج من أنسجة المجتمعات التي دخلوها فاتحين، فلم يتعرضوا لا للنسيج الاجتماعي ولا الثقافي ولا العمراني ولا الاقتصادي ولا العقائدي( اليهود والنصارى) ولا النفسي بسوء.

فالرسالة الأولى الصادرة عن نبي الأمة تدعو للإتمام وليس للإحلال، وتدعو للتعاطي مع كل ما يمر بالمسلمين في مسيرتهم الحضارية من منطلق التغيير للأفضل وعلى قدر الحاجة، واستكمال النقص ومعالجة القصور. وهذا ما جعلهم يقدّرون ما وجدوا الناس عليه، فأبقوا على ما هو قائم ولا يحتاج للإصلاح وانصرفوا لإصلاح ما عجز الناس عن فهمه واستيعابه. كما أخذوا عنهم ما ينفعهم وتركوا ما يضرهم أو يتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية السمحاء. وبذلك عمل الإسلام من خلال معتنقيه كبوتقة احتضنت كل الخبرات السابقة وأعادت صياغتها في قوالب جديدة، ومن تمّ إعادة توظيفها بطرق شتى تتماشى مع متطلبات العصر وحاجات الإنسان المتجددة.

وهنا يكمن سر الحضارة الإسلامية التي توجت بميلادها، لمرحلة جديدة أخرجت الانسانية من دهاليز الظلام الذي خيم على الانسانية لعهود طويلة من الجهل وفتحت أمامهم آفاقا جديدة من الفهم والإدراك للكثير من العلوم والمعارف والمعاني وتركت لهم مجالات ينطلقون من خلالها نحو إبداع لم تسبقهم إليه أي حضارة أخرى، مهّد الطريق لعصر النهضة العلمية والصناعية والمعلوماتية في العالم الذي دخلته الفتوحات الإسلامية ومنه إلى أوربا والعالم الجديد.

لم يجعل الله سبحانه وتعالى عملية التطور الحضاري للإنسانية عبر إلهامه للبشر عن طرق الوحي للعقل، بل جعل ذلك يتم عبر الوحي لأنبيائه، فهم من علّم البشر ما يساعدهم على تحسين ظروف معيشتهم على وجه الأرض، وذلك لأمرين:
أولهما: ليعرف البشر فضل الله عليهم وحاجتهم إليه، فيخلصوا له العبادة وحده.
وثانيها: لعلمه المسبق أن هناك من بني البشر من سيأتي يوماً لينسب الفضل في تطور الإنسانية إلى جهد عقل الإنسان وحده، وينسب بذلك الفضل لغير أهله، فيضل من ورائهم عبادا وتنحرف عقيدتهم من وراء مثل هذه التخاريف والمزاعم.

{
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 3 )}- سورة المائدة

وبالتالي فإن الدعوات التي تقول بأن الإبداع الإنساني منفصل عن الإسلام كدين وبالتالي تضع الدين في مواجهة العلم، تارة كمتعارض معه، ومناهض له وسداً منيعاً أمام انطلاقته ( كما نادت بذلك النظرية الإلحادية الشيوعية على لسان منظرها ماركس في مقولته المعروفة: الدين أفيون الشعوب)، أو تجعله في موضع العاجز عن مجاراته أو مواكبته تارة أخرى. وهذه مغالطة كبيرة للحقيقة البيّنة، يراد بها من- أدعياء البحث العلمي المنهجي- المبني على قلب الحقائق ونسبة الفضل لغير أهله.

وهذا حال من قال ويقول، إنما أوتيته على علم من عندي، ومصيره كمصير سابقيه من أمثال قارون:
"
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين(77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ (81)"، سورة القصص.

المصدر / مدونة الميراث /

http://mirathlibya.blogspot.com/