مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

المشاركة والتجاوب وعلاقتها بالابداع ..

إهداء للصديقة سهام الجيلاني
التي قالت /

(( هذا يحفزني ويلهمني لكتابة بحث عن المعلقين عن المدونات وحضورهم في المدونات ومدى إضافتهم لها والعلاقة بين المدونة ومتابعيها لعلني أحقق سبق ما .. فهل أجد عندك التشجيع والتحفيز ؟ ))





قبل سنين كنت أتربص بالأستاذ الشاعر حسن السوسي لأرافقه يوم الأربعاء الى ان يصل لدار الكتب الوطنية ...كنت اعتقده يعمل هناك ..ثم باغتني مرة وقال / يمكنك ان ترافقيني لدار الكتب يوم الثلاثاء ايضا ... قلت( ياريت يا أستاذ لكن عندي محاضرات) .. واعترفت خجلة بتحججي برفقته في الحافلة لاغتنم الفرصة وأحدثه ، وسبب خجلي ثقافة سائدة تعيِِب الحوار والكلام وتقدس الصمت ..
ضحك كثيرا واعترف ببساطة انه يأتي أيضا لأجل الحوار أو (الهدرزة) كما سميناها ..وان لا عمل لديه بالدار ولكن إيمانه بقيمة الحوار في إحياء الثقافة لدى الناس ولدى المثقف هو سبب حرصه على الحضور لدار الكتب فيمكنه ان يقرا في بيته ولكنه يأتي لأجل مقابلة الناس.. ومن ذاك اليوم كنت احضر مع غيري لنتحدث معه ومع غيره ..ببساطة كان هذا أهم دروس الحياة بالنسبة لي ( الحوار والنقاش والتفاعل هي روح الثقافة ) ..
في الفنون تعتبر الفنون التي تتأثر بالتفاعل الاجتماعي هي أسمى الفنون حيث يعد هذا معيار قيمة للفن ..لذا لا جدال بان المسرح حالة إبداعية خلاقة لا تضاهيها ولن تضاهيها السينما او التلفزيون رغم التفوق التقني فيهما .. لان في المسرح روح تتجدد و تسمو بسمو الطرفين المبدعين والجمهور .. حتى اننا نسمي الحفلات التي تجمع المطرب بجمهوره ( حفلات حية )... ومثله في العمارة ... نعتبر ان مخططات المدن التقليدية والتي تعكس روح المجتمعات والتي تتكون نتيجة تفاعل بين الإنسان والبيئة وبين الإنسان والثقافة وبين الإنسان وأخيه الإنسان هي تجارب فنية أكثر نضجا وثراء من تلك المستقلة والأحادية النظرة مهما تطورت تقنيا...
المشاركة والتفاعل بين أطراف أي عملية حيوية هي مؤشر امتداد ونمو العملية لذا كان أهم قوانين الطبيعة على الإطلاق هو (( لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ))...
وبمعنى أخر ان وجود رد فعل في أي سلوك هو إشارة لكونه طبيعي ومتزن وحيوي .
لذا كان التشريع السماوي أيضا متفق مع هذه الطبيعة فتوافقا مع هذا المبدأ كان جزاء الإحسان هو الإحسان و وجب على المسلم رد التحية بمثلها بل بأحسن منها ان استطاع ورد المعروف أو شكره ..بل ورد العدوان أيضا .. هذا ليحافظ على توازنه وبالتالي فطرته الجميلة ... لان الإسلام دين الفطرة والجمال والسمو..
ولعل أجمل صور التفاعل والمشاركة ترديد المصلين وراء الإمام ( آمين ) ... ولعل اهم دروس الفطرة في عقيدتنا ان العمل الجماعي أكثر ثواب من العمل الفردي ..أما فيما يتعلق بالحوار فله خصوصية أخرى .. حيث أمرنا بحسن الاستماع ومن هديه عليه صلوات ربي وسلامه انه كان يدعو (اللهم اجعلنا من اللذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه) .. حتى انه يقول (الدين : نصيحة ) اذا الحوار هو فرصة لأعيد ترتيب أفكاري ومعايرتها والنظر لها من زوايا جديدة .. ومتى تكلل الحوار بالحب فانه سيكون متعة ودعم وفرصة لتتسع عقولنا بتوحدنا مع عقول محاورينا ونكبر بهم ومعهم ..
وبدل ان نكون 1+1 =2 ..فإنها ستكون 1+1 = 4 ..بمعنى اثنان عندك واثنان عندي ...ومن هنا فان مبدأ (التوافيق) في الجبر هو مبدأ نمو معتمد على المجموع ...وما أروعه من اسم (توافيق ) ومما يتناغم مع اثر كل عمل قائم بروح الجماعة فهو بالتأكيد عمل موفق ..أليست يد الله مع الجماعة ..؟

ونطلق بداهة كلمة (بركة) على العمل الذي يجتمع عليه الناس ليتعاونوا فيه ..والبركة هي النمو والتوفيق معا ... لذا فان مقولة مثل (ما خاب من استشار) تلقى صدى وقبول لدى أي صاحب فطرة .. و(البركة) عكس البوار والخيبة ..
جميلة هي صور الحوار المتناغم والمكلل بالمحبة وحسن القصد ..بل هي أجمل صور الوجود عند العديد من الفلاسفة والفنانين .. ونسمي رد الفعل لكل حوار بالتجاوب ... اسمعي لقول الحق يصف التجاوب الكوني البديع /
( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) فاطر : 9 – 10 ..
وفي الآية نلمس مستويات النمو والتداخل في الحوار الكوني البديع فالسحاب تتجاوب مع الرياح وترسل مطر تتجاوب معه الأرض والنتيجة هي (الحياة ) ..لذا ستجدين الحيوية ملمح لكل عمل ابداعي يعتمد التجاوب والتداخل والتفاعل ...
ويكون منطقيا ان تلي هذه الآية والتي هي وصف للحياة صورة ستتكرر في (النشور) وهي الحياة الثانية ..اذا أحياء أي شيء وإنماءه هو نتاج طبيعي لتبني نفس الفلسفة إبداعيا..وهذا ما تقوله لنا الاية التالية التي تتحدث عن قيمة العمل والكلم فلم تلحق بسابقتها مصادفة ..سبحانك اللهم ما ابدع كتابك ...
ومن البديع - سبحان الله - ان هذه الاية الجميلة جاءت في سورة فاطر والتي تتحدث عن خلق الله وجمال الفطرة وانها معيار لكل كمال وجمال وصلاح ..
ولعل سبب استساغة وانتشاربيت شعر يقول / قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي..ان البيت يشير لحقيقة توافق الفطرة وهي ان إجابة النداء دليل للحياة ..
ان يلمس احدنا اثر عمله لحظيا فهذه نشوة تلهمه الى جانب كونها تشجيع يدعمه ..ما قصدت بنشوة ..؟
مثلا ..احدنا يجلس بجانب ماء راكد ..فيشعر بالاحباط فيرمي بحجر بالماء فتروق له صورة الدوائر المتتالية التي تشكل رد فعل الماء للحجر ..طبعا هي جميلة لانها رسالة لتأثير هذا الصغير (الحجر ) بالكيان الكبير ( الماء ) ..ولان اتساع الدوائر اشارة لامتداد الاستجابة وحيوية الوسط ..
وبالمثل.. صوت حركة الموج وصوت الخرير ..سبب لتبديد توتر من يجلس بجواره لانه يتحد وجدانيا بإيقاع الصوت ومن ثم يستسلم لرد الفعل الطبيعي مما يوصله للتوازن...
مشهد التجاوب دائما هو مشهد بديع .. حتى ان مجمل الانعكاسات هي صور جميلة ..فقوس قزح ونور القمر هي أجمل من الضوء نفسه ..
وانطلاقا من موقع التفاعل من الإحياء وموقع التجاوب من الجمال لنا ان ننظر لأهمية التعليقات بالنسبة للمدونة .. لأنها احد صور التجاوب خاصة وأنها تتصف بالحرية فلك أن تعلق دون ذكر اسم لتقول ما تحب دون قيود وادعاءات .. وهذا يعني أننا سننظر للتعليقات على أنها أدب جماعي أو أدب تفاعلي ان صح التعبير...
يعتبر مفهوم التأثير المتبادل هو احد متطلبات الإبداع الفراغية ويشكل هاجس لدى مصممي الديكور (التصاميم الداخلية ) اذ تصبح علاقة الإنسان بالمحيط وتعاقب الفراغات وتواليها ومدى انسياب واستمرار فعاليات نشاطه بنفس المستوى من الانتماء للفراغ هي سر جمال وخدمية الفراغ الداخلي ..
يمتد هذا المعيار ليكون متطلبا علاجيا في علم النفس ..اذ تعتمد بعض المراكز العلاجية توفير فراغات تحقق التفاعل بين الإنسان وبيئته ..او بين الإنسان وآخرين غيره ..ولعل أوضح ملامح هذا المتطلب الفطري هو ميل الناس للتشارك بالأحزان وتأكيد كل الثقافات على أهمية التعزية وتقديم العزاء في المأتم ..حتى ان البعض يعتبر ان مجرد التجاوب المتفهم والتلقائي مع الشخص المعبر عن الحزن هو علاج له ...حيث يساهم في إحياء فطرته وموازنتها ...
بنفس الفلسفة ممكن ان نقرا التجاوب في حاسة اللمس ولا داع من مناقشة دورها في التواصل والدعم الاجتماعي ولكنها تمتد لتصبح اساس لأسلوب علاجي يعتمد التأثير المتبادل للطاقة بين يد المعالج وجسم المريض في ما يسمى ب (الريكي) في الطب البديل ..
الناس خلقت لتتعاون ، لتتفاعل ، لتتشارك في كل شيء ..يقول عليه صلوات ربي مبينا معيار الخيرية بين الناس (خير الناس انفعهم للناس ).. ويقول سبحانه في سورة التوبة (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)..وتقول ثقافتنا الشعبية (الناس بالناس والناس بالله).
تستحق التعليقات ان يفرد لها بحوث لأنها مظهر الاستجابة والحيوية ومؤشر صريح لثقافة الحوار وحرية الفكر ، ولانها سبب لتوسيع افق المجموعة المشاركة.. تستحق الكثير من التقدير والتأمل وتستحق صديقتي سهام ان اهديها هذا التلخيص من مقال لي بعنوان (الاستجابة ورد الفعل ) وهو من سلسلة (الطبيعة مدرسة الشاعرية ).. وهي سلسلة مقالات ينفرد كل منها بظاهرة طبيعية كمعيار للتلقي .. رغبة في إحياء مدونتي باستجابتي لفكرتها الناضجة .

http://almedlal.blogspot.com/2010/12/blog-post.html#comments