مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

تقاسيم مختارة ..من مقام الدكتاتور...3

كلما انتحرنا

كلما انتحرنا
بوهم الباب لكي نُصَدِّقَ أنه موصدٌ مثل جدار نعود فنتذكر بأن ثمةَ أشياءٌ جميلةٌ تُغري بمغامرةٍ أخرى كان علينا أن ننجزها قبل ذلك فينتابُنا بعضُ الندم ونحاولُ أن نتراجَعَ متداركينَ أمراً يكادُ يكونُ تدارُكُه مستحيلاً وحالَمَا نَعودُ عن انتحارِنا ويَحْدُثُ هذا مراتٍ كثيرةٍ في الحياة لكي نُنْجِزَ ذلك نكتشفُ أن أحداً غيرنا قد بادرَ في تَوَلّي ذلكَ عنا عندها لا يعودُ لوجُودنا مثل انتحارٍنا معنى
كلما انتحرنا
لكي نؤكدَ للآخرين أنهم بالغوا في العَبَثِ بنا اكتشفَ الآخرونَ أن ثمةَ حَمْقى يتوجَبُ تلقِينُهم دَرسَاً في اللياقة لئلا يبالغوا في الاستهانة بالقناديل وهي تَرْسُمُ الخَرائِطَ ويُخالِجُنا شَعورٌ بَضَغِينَةٍ غامضةٍ تجاه هؤلاء مَنْ لا يَرونَ في انتحارِنا غيرَ العَبَثَ بالحياة ونَوَدُ ساعتَها أن نعُودَ لكي نَشْرَحَ لهم بِسَرْدٍ أكثرَ ضَراوةً من النص لئلا يكونَ سوءُ الفَهم هو آخرُ ذكرياتهم عنا وعندما نتمكن من العودة ويحدث هذا بمعدل تسعَ مرات في حياةٍ واحدةٍ ونجلس إلى هؤلاء في محاولة لتفسير ذهابنا بهذا الشكل أو ذاك لا نرى أمامنا غير أحداق زجاجية تحملق في فراغٍ هائلٍ وفيما نتوغلُ في الشَرحِ يكون هؤلاء شبَه غائبين كما لو أننا نتحدثُ إلى كائناتٍ غير موجودةٍ ونكاد نشعر أنها غير حيةٍ أيضاً وقتها ينتابُنا الشَكُّ ما إذا كنا قد عُدْنا من هناك أمْ لا
كلما انتحرنا
وأغلقنا النافذةَ الأخيرة خلفنا سَمِعنا باباً لا يزالُ موصداً هناك يُصدِرُ صَريراً مثلَ مُغادرة الغائبِ ونُدركُ أن ثَمةَ أشخاصاً ساهموا في مغادرتنا باكراً بشكلٍ مباغتٍ وحالما نُديرُ أعناقَنا نشاهِدُ الأشخاصَ ذاتَهم يَضَعُونَ خدودَهم المجَرّّحَة بالدموع على عتبة الباب في محاولة لاستعادتِنا ثانيةً لأجل الاعتذار فنتبادل النظرات عن كثبٍ مثل سُجناء يَرقَبُونَ سِرداباً حَفَرُوهُ متجنبين لحظةً مناسبةً للهَرَبِ فنَقِفُ كَسِيرِي القُلوبَ ويكون قرارُ العودةِ قد تَمَّ انجازَه في أذهانِنا فثمة أملٌ في التفاهم مع أولئكَ الذينَ يزعمون تركَ الباب موارباً فيما يُحكِمُونَ إغلاقَه بصلافة السجان وما إن نَضعَ أنفسَنا تحتَ أمرتِهم مجدداً في محاولةٍ لتفادي الانتحار ويحدُثُ هذا كثيراً في الحياة التي لا يمكن تفاديها غالباً يكون الأشخاصُ قد جَفَّفُوا دمُوعَهم سريعاً واستعادوا هيئَةَ القُضاة وطبيعةَ الضِِباعِ النشيطة ليبدو الخطأ ليس في الانتحار لكن في العودة عنه
كلما انتحرنا
في محاولة لإقناعِ امرأةٍ بأنَّ الحبَ هو أيضاً سَببٌ للموت نكتشفُ أن تلك المرأة يمكن أن تَجِدَ مَجْداً في اقترانِها بشَخْصٍ غائبٍ أكثرَ من اقترانِها به موجُوداً مما يجعلُ شُعورنا بفداحة الخسارة مُضاعَفاً خُصوصاً إذا كنا نرى إليها من هناك وهي تَستَدِيرُ بكعبِ الفُولاذِ يَكُزُّ على عَظْمَةِ القَلبِ نحو أولِ شخصٍ لتبدأ في التَغْرِيرِ به وإقناعَه بالانتحار لأجل إقناعها بأن الحبَ هو أيضاً سَببٌ جديرٌ للموت فَنَكُفّ عن المبالغة في الانتحار ونستديرُ عائدينَ ويَحْدُثُ ذلك على الأرجح في حياةٍ لا تُحْتَمَلُ لكي نُحَذّرَ شخصاً من مصيرٍ وشِيكٍ غيرَ أننا نكونُ قد تأخرنا عن ذلك حيث يصادفنا شَخصٌ في منتصف المَصيرِ على شَفِيرِ النهايات
كلما انتحرنا
لكي نختبرَ قِدرةَ الكتابة على تأجيلِنا نجدُ أن كتبَاً كثيرةً موجودةً لنا موجودةً فِينا ويتَحَتَمُ علينا لكي نتأكدَ من قِدرتِنا على الغياب أن نعيدَ كتابتَها مراتٍ أخرى من أجل تفادي أخطاء اللغة والمطبعة والقراءة
أخطاءٌ عادةً ما تكون السبب المباشر لسوء التفاهم الذي يَحدُثُ بيننا وبين الآخرين ولا نجدُ وسيلةً لتوضيح ذلك إلا بالعودة عن الانتحار لبعضِ الوقتِ لتلقين الناسَ طريقةً جديدةً في قراءةِ الكتب فنؤجِّلُ توغلَنا في الانتحار ويحدثُ هذا على الأرجح مرةً كلَ يومٍ في حياةٍ ضيقةٍ لكي نرقبِ الكتبِ وهي تستعيدُ حياتَها في سديمٍ من النسيانِ فالكتُبُ ليستْ الوسيلةُ الناجِعَةُ لتأجيلِ الموتَ ولا هي قادرةٌ على استحضارِ الموتى ولا فائدة من الحبر والورق في سياقٍ يَنْقُضُ النَصَّ والشّخصَ في آنْ.
كلما انتحرنا
لكي نتفرَّغَ وحيدين، للتمتع بحياتِنا بمعزَلٍ عن الذين ظلوا يُفسِدُونها علينا طوالَ الوقت نَجِدُ أنفسَنا محاطِينَ بطقُوسٍ تَسْتَوجِبُ الإصغاء لأكثر الأحاديث فَجاجَةً من كائناتٍ لا تُحْسِنُ غيرَ التأنيب المُفْرط في بلادتِه بِحُجة أنَّ في الحياة ما يُوَفِرُ لنا المتعةَ وأن المتعةَ لا تكتمل بغير الناس لنجدَ أن الانتحارَ لم يكنْ قراراً حكيماً فنحن لم نَنَلْ غيرَ خَيارٍ واحدٍ هو مواجَهةُ من تَوهَمْنا الفَرار منهم فَنَفُرّ ثانيةً ويحدث هذا لنا بوصفِنا أكثر المنتحرين سذاجةً وأضعَفَهُمْ فَراراً إلى الحياة بهدف تفادي توفير الفرصة لمن يريد أن يستفردَ بنا هناك
كلما انتحرنا
وجدنا أن بشراً أكثر بسالة منا قد سبقونا إلى هناك وهذا ما يجعل انتحارنا ضرباً من العبث الفاتن أو هو نوعٌ من الإستعادات المألوفة فهناك بَشَرٌ أكثر سَفَاهَةً ذَهبُوا قبلنا لكي ينتظروا حضورنا مما يجعلُ الانتحار نزوة ليست مأمونة العواقب خصوصاً إذا كانت صادرةً عن هروبٍ من ثقل الواجب المشحون بتفاصيلَ تُفسِدُ الحياةَ والأحياءَ فإذا بها نزهةٌ تُفسِدُ الموتَ على المنتحرين فنتكاتَفُ مثلَ كتيبةِ من الفِيَلة مسرعين إلى العودة عن الانتحار ساعتها يكون الوقت قد فاتَ فالطريقُ مكتظةٌ ببشرٍ في هيئة الفِيَلة تَتَخَبطُ في بحيرة عميقةٍ من الطين فلا تُتاحُ لنا فرصةَ العودة وهذا يَحدُثُ عند التظاهر بالعودة من الحياة والانتحار معاً
كلما انتحرنا
لكي ننسى نذكر أن ثمة تجربة جديرة بالاختبار هي النسيان والجلوس في الشرفة والنظر إلى الحياة وهي تمر عابرة أمامنا مثل شريط من الفيلم الخام لنرى ما يحدث للشخص حين ينتحر.

قاسم حداد

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

تقاسيم مختارة.. من مقام الدكتاتور ...2

ما لا يسمى
عندما أسمُكَ في طريق
ورأسُكَ في طريقٍ أخرى
تَتَقَهقَرُ بِشَهوَتِكَ إلى عَتْمة الأزقة
نحو خزائن التجربة
لتسعف الرجفة الخفية
رعشة مسوّرة باحتدام الجموع
وهي تتخطّفك
مستصرخاً ذاكرة الشِراك
من أين إلى أين ؟
تضع لاسْمِكَ الأسبابَ
لتذهبَ بكَ في مسارب رؤوسٍ محتدمةٍ
تضطرمُ بحرائق الطريق
تضعُ له ما يُسْعِفُ الشارعَ بالحَجر العتيق
بأشلاء رغبات تنطفئ في صراحة الشمس
تضع له رأسك المكنوزة بخبرة الخرائط
وشهوة العمل
تضع لاسمك زهرة الرأس
كمن يبذل وردته على جنازته
عندما سُبلكَ أكثر من أقدامك
وأسلحتك في مزاد السماسرة
يفيض رأسك بزادٍ يكفيك
ويصونك من مائدة مثقوبة بفاكهة تفسد
لفرط الأسلاف
ينالها العطبُ ويطفح بها التفسير
تتقهقر مطأطئ الرأس
نحو غبار المخطوطات
في تاريخ الجسد ووحشة الروح
تنحدر بك حشود الشارع في ليل واضح
في ذبائح مهدورة
في ماء قديم يأسن
في ذخيرة مبتلّة بزفير التجربة
في غفلة البصيرة وكسل المخيلة
تنحدر
ورأسك كنيسة النوم
عندما رمادك يبرد
تكـرُّ عليه ضباعُ المستنقعات
يُسمِّيكَ ما لا يسمى
تسألُ ضميركَ صراحةَ الهواء
وأنت خَدِينُ الخذلان
يشدّك حشدُ الشارع
مأسوراً بقديم الجراح
فيطيش عليك فيضُ الأساطير
تطير في وجهك غربان الغابات
يغطِّيك كرادلةُ الكهوف
بأوشحة كثيفة كتعاويذ الوهم
يَغُرُّونَكَ
يُغوُونكَ بجنّةٍ تَنْجُو منها
عندما تنسى
يسمِّيك ما لا يسمى
سيف النسيان عندما تنسى
تحت قميصك المليكُ في حريته
تحته الطيور والأجنحة
وها أنت تفقد المعدنَ الخفيفَ
تفقد حريةَ الهواء
كأنكَ تفقدَ النصَّ
تنسى أنك رأسُ الهجوم
في جيشٍ يقهر الكتبَ وهي تنسى
تطير بأجنحتك في هواءٍ فارهٍ




لماذا رأيتَ في أدلاّءِ التيهِ نجمةَ المنعطف
وفيهم مَنْ يَشْحَذُ ضوارِيهِ في النَّحْرِ
ممعناً في براءةِ أخبارك
لماذا رأيتَ في مغاراتهم آباطَ الدفء
وفي زَرَدِ خِطابِهم الفَجِّ حَرِيرِ الحنانِ المفقود
لماذا . مثلَ طفلٍ
تلعبُ به غريزةُ اللهو ، يُخَبّئُ النارَ في ثوبِه
لماذا وضعتَ رأسَكَ الناضجةَ
في خدمةِ الاسم المُغْتَرّ بسمتِه
مأخوذاً بعناقات تهيّجُ الجموعَ
متجرعاً شجاعةَ البرزخ
بينَ أن تكونَ عدواً ماثلاً
أو خصماً في الظَنْ
لماذا . عندما رأسُكَ ضحيةُ اسمٍ يتلاشى
في ظهيرة ليلٍ يتظاهَرُ بطبيعةِ النهار
امْتَدَّ بكَ الحُلمُ في يدينِ مغلُولَتَينْ
لماذا عندما نَهَضْنا بِكَ
تُريدُ أنْ تُجهِضَ زَهرةَ يأسِنا
وتُرَشحَ حَيزومَ سفينتِنا المكتنزةِ
لصخرةِ الجبل
ماذا تَعرفُ عنا
بذلنا لك جنونَ القلب
لئلا ينتابَكَ ما لا يُسمّى
وقُلنا لك هذا القلبُ لكَ
حِصْنٌ يَصُونُكَ
فاشَمخْ به
يَتَمَجّدُ بكَ و يَنْهَضْ.
***
قاسم حداد

السبت، 12 نوفمبر 2011

تقاسيم مختارة ... من مقام الدكتاتور .. 1



جدارية ( غورينيكا ) للفنان الاسباني بابلو بيكاسو ،1937

ما لأحد مثلنا
ما من شعوب تزعم تكبّد الخسارات
وتجرّع الهزائم
وهَدْر القرابين
مثلما نفعل،
من غير حكمة ولا درسٍ ولا موعظة.
ما من شعوب تخضعُ لعسف حكّامها
وتبجِّلُ جلاديها
وتستجيرُ بالجحيم
مثلما نفعل.
نحن جوابو الجهات
نحسن غزلَ الشِباك لخطواتنا
نصقل جمرَ المواقد لتصهرَ المسامير
وهي تنغرس في لحمنا حتى خشب الروح
نغيّـرُ جلودَنا لكل سوطٍ
ونتضرع للنصل لئلا يكفَّ
ونعضّ عليه بالجراح
نقرأ مصائرنا في الليل
وتقودنا الكتب.
صَـبَّ اللهُ الأصنامَ لنا بالدوارق والأباريق
طواطمَ تجثم على الأكباد
تصهرنا في جبل الفولاذ،
آلهة تعبثُ بلا غضبٍ ولا ضغائنَ
تضعنا في غرفة الصاعقة
وتصفق الباب خلفنا
وتنسى.

***


فكرة العمل
الفارغُ من الدلالات
كلما بالغَ في طرح صوته
ضاجاً
مجلجلاً
يجهر بجرأة خطابه الفجّ،
كلما شَـغـرَ به المكان
وفرغت التجربة من أخباره
وخرجَ عن فكرة العمل.
كلما تكاثر بالكلام
شحّتْ دلالاته
وشَحُبَ المعنى

***

خطيئة 3
أيها الملك ..
نحن رعاياك الذين تباهي بنا الأمم :
لقد سئمنا هذا المجد .
***

قاسم حداد

الأحد، 6 نوفمبر 2011

اضحى مبارك




كل عام وانتم بخير إخواني المسلمين ..الموحدين ..
اليوم أردت تهنئتكم بالعيد وبحثت عن كلمات للتهنئة ..بحثت عن الجميل حولي ... لأهديه لكم فلم أجد أجمل منها , لم أجد إلا نورها يملأ قلبي .. تلك الجميلة ، المحبة، المؤمنة ، الودودة ، الحكيمة ..أمي وأمكم هاجر عليها السلام ، أم سيدنا إسماعيل وزوج سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليهما السلام ، كلما جاء موعد الحج أو العمرة كانت سيرتها رفيقتي سيرة تغذي الروح وذكرى تقوي اليقين بامتثال صبرها وتوكلها .. سيرة من فرادتها لا يصل لها الخيال ولا تنتهي الاستزادة منها .. فأي أنثى تنشأ في خضرة مصر وتتزوج في ربوع الشام ثم تهجر في تلك القفار وتترك لا انس ولا حماية ولا زاد ولا شيء ، نعم لاشيء ..كلما شعرت بحياتي تفرغ من عزيز تذكرتها وهي تمكث في لاشيء ، ولكن بيقين أنها بجوار ربها وهو كل شيء ، سبحانك اللهم نعم المولى ونعم النصير ، أمنا هاجر تلك التي تزوجت من سيدها وله زوجة قبلها عزيزة وحرة ، ها هي تتبعه في رضا إلى المجهول ، ويتركها فلا تشك فيه وتقول انه عاد لزوجته ،رغم أن هذا التأويل وارد ، بدليل أن الإسرائيليات تتبناه وتقول عن نبي الله إبراهيم - حاشى لنبي أن يفعل – حمل هاجر وابنها لمكة رضوخا لأمر السيدة سارة وهو عليه السلام الذي لا يأتمر إلا بأمر ربه ، وهي إن كانت ظنون تتفق وضعف البشر ، لكن أمنا هاجر برئت منها ، لم تشك ولم تجزع ولم تحقد ولم تخون ولم تفرط في أمانتها ، بل وما يربي المسلم ويكبح قلق الأنوثة في نساء العالمين إنها عندما سألت زوجها الصامت الذي أدار ظهره ومضى ، لم تشتط غضبا ، وما أصعب هذا على الأنثى ، خاصة ومن تركت وراءها ما تركت السيدة هاجر ،،لكننا نراها تسال زوجها بموضوعية وعمق يفتقدهما مفكرين ومحللين ومدعي رؤى: هل الله أمرك بهذا؟
فقال إبراهيم عليه السلام: نعم.
قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.
وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:
" رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ " إبراهيم 37
هاجر تلك التي هاجرت وهُجرت وعانت من لفح الهجير ، تضرب مثلا في الإسلام لله والتوكل واليقين ، ثم عندما تأتي الشدة ، مثلها مثل باقي البشر تدعوها الفطرة للسعي وصوت رضيعها يملأ الوادي فتجري بين تلتي الصفا والمروة ولا تيأس ، سبحان الله ،لما لم تتوقف وتيأس ، فبرغم الإسلام لأمر الله هي تثبت بالسعي أنها لا تقنط وأنها ما رضخت إلا لأمر ربها لا لعجزها وضعفها ، ثم هاهي تكون سببا للعمار ولمولد العرب العدنانيين ولإحياء مكة بعد ان صار زمزم بئرا يسقي من يمر تلك القفار ، بما حققت هذا.؟ بالصبر وحده واليقين لا بمناطحة السحاب ،ببسط الود للناس لا بالبخل وإخفاء النعمة ، أمنا هاجر تثبت أن باستطاعة المرأة الصالحة أن تبني امة وبدون أي مورد مادي ، باليقين وحده ، فكيف ببناء الأسرة ، أمنا هاجر / القوة و الإيمان والعطاء والأمانة والإخلاص فخر نساء الإسلام اهدي سيرتها لمحبيها من امة الإسلام .

كل عام والإسلام والمسلمين بخير.

الأحد، 13 فبراير 2011

كل حب وانتم بخير

لوحة للفنان الليبي عوض اعبيدة
عيدان يطلان علينا .. عيدان والرغبة في الاحتفال تنغصها دعاوى تحريم الأعياد .. البعض يستنكر الاحتفال والبعض يؤكد أهميته والغالبية تحتار بين احتفاء خفي وعلى الضيق ، وبين احتفاء مبتور خائف من شبح التعيير ...
عيد المولد النبوي الشريف .. ومظاهره من قناديل وحلوى والعاب وأهازيج .. وعيد الحب ومظاهره من كلمات ورسائل وهدايا بين المحبين ..
ترى ما يمكن أن نفعل امام حيرتنا ..ما يفترض ان نجيب به أبنائنا ..هل من حقهم الاحتفال بالمولد كما احتفلنا نحن ، كما منحنا أنفسنا باقة من الذكريات الحميمة غذت فينا الانتماء للوطن وللثقافة الإسلامية .. ام نمنعهم من الاحتفال بحجة ما يشوبه من فوضى وأضرار وبدعوى ان الاحتفال بدعة وان للمسلمين عيدين هما عيد الفطر والعيد الأضحى ..
اما عيد الحب فمن يجرؤ ان يدافع عنه غير الفاسقين ..!
وبداية سأعلن اليوم فسقي احتفاء بحق الناس في التعبير ..
لن أعارض أبدا ان أعيادنا هي العيد الأضحى وعيد الفطر ولكن ليست وحدها ..فكل جمعة هو عيد وليلة القدر هي عيد غير محدد وبالتالي يحيل تربصنا بها أواخر رمضان كلها أعياد بل يحيل رمضان كله ..
وعرفة وعاشوراء لأنها مناسبات للتوبة وكذلك يوم الجمعة أيضا لأننا نتربص به ساعة للمغفرة والتطهر واستجابة الدعاء ..
اذا العيد في المفهوم الإسلامي هو كل مناسبة للتطهر واجابة الدعوة واكتساب الثواب ومضاعفته ..
ثم وبناء على هذا التعريف لن يكون عيد المولد النبوي عيد إسلامي فهو ليس مناسبة للمغفرة او الثواب ..
ولكن هو عيد إنساني لا يمنعنا ديننا من إحياءه .. فوفق ما تعلمه لنا الثقافة الإسلامية من قيم نعتبر الاحتفاء الفردي لا يعزز الثقة في الإحساس كما يعززها الاحتفاء الجماعي ولذا فاجتماع الناس على كل شعيرة هو سبب مستقل لتعميق إحساسنا بها وتأثيرها علينا .. لذا تأخذ صلاة الجماعة قيمتها ويجتمع الناس على الحج وعلى الصيام وعلى الزكاة ويكون الاجتماع بالمكان والزمان او الزمان وحده ..
إحساس الإنسان بوجود آخرين يشاركونه رؤاه هو سبب يقينه بهذه الرؤى ويكاد يكون هذا هو دافع الدعوة للخير والإصلاح كما هو دافع الدعوة الى الفاحشة ..
اذا فالخلاف حول التسمية ومدلولها (عيد ) .. ولكن الا تجمع القيم الناس..؟
ألا نحدد يوم للبيئة ويوم للشجرة ويوم لمكافحة التدخين ويوم للأم ويوم للمرور ..؟
ألا نتفق على الاحتفاء دائما كاستجابة لرغبتنا الطبيعية في تعميق القيم وتحقيق التناغم والتعبير عن الوفاء لأشياء ندين لها بالفضل ..السنا نقيم مهرجانات التكريم للمبدعين والرواد وأصحاب الفضل ونعلن إحدى مدننا عاصمة للثقافة لتتحد رؤانا ونجتمع ونمارس جميعا التعميق والإعلان ونستلذ بما فيه من دعم ويقين ..
لما لم نسمع شيوخ يعارضون الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التدخين ..وان كنا سنخالف العالم و نستهن به ألا ينقل هذا لنا قبل الآخرين رسالة أننا لا نبالي بانتشار التدخين ..
الاحتفال ليس عبادة ..هو نوع من التذكير بقيمة يتفق البشر على أهميتها .. وباعتبارنا امة محمد ونحمل اسمه وسندخل بشفاعته الجنة فان في داخلنا إحساس بالامتنان يدغدغنا في يوم مولده ..
ولا يتعارض هذا مع تفكرنا له يوميا عليه الصلاة والسلام بل يتكامل معه ..
اتحدث هنا عن خصوصية المناسبات ككل وكونها فرصة لتكثيف الإحساس بإعلانه ومشاركة اخرين به ..انت مثلا تحب ابنك و تقيم حفل لنجاحه ..باركت له يوم نجح واليوم بعد أسبوع تبارك له بشكل أخر ..لأنك من خلال الاحتفال تتشارك مع الناس في هذا الإحساس وهو ضروري لك ولهم ..
هذا التذكر يشيع فينا نوع من الولاء ويعمق فينا الإحساس بالانتماء وبالتالي هو يهيئنا للتشبه وفق مثلث الحب (الانتماء ،التشابه ، الاقتداء ) وفق ما يقدمه الدكتور عبد المنعم الحفني في موسوعته النفسية ..
لنكبر العدسة قليلا .. علام نحتج ..؟
مظاهر الاحتفال ..الصراخ والمتفجرات والأغاني المعزوفة .. ام مبدأ الاحتفال..؟
اتمنى ان يدافع وعاظنا عن أهمية الالتزام بهيئة الاحتفال لا بمبدئه فللناس حق الاحتفاء والاحتفال بكل ما يدينون له بالفضل ..
و الأعياد التي يتم الاعتراف بها هي أيضا فقدت معناها بسبب مظاهرها ولم يبقى لها من العيد إلا اسمه ..
الجمعة / من يقضيه في ذكر ودعاء ..؟
بالمقابل من يقضيه في سوق الجمعة او في غسل وتنظيف او في نفاق وضغينة أو في رحلات وترفيه تلهيه حتى عن صلاته اليومية المفروضة ..؟
عيد الأضحى / عيد للملابس والشواء ..
وعيد الفطر / عيد الكعك والحلوى ..السنا نسميها هكذا (عيد الكعك ) و( عيد اللحم ) ..ألا يؤلم وعاظنا هذا التغريب وهذا القتل وليس الابتداع ..؟
ألا يقضي الرجل المسلم يوم عرفة يفكر في أضحيته ويلف الأسواق حتى آخر ساعات الليل..؟
لحظة من فظلك أخي الحر ..احتفظ بحقك وحقي في التنفس .. عذرا اتركني بيني وبين ربي ..اتركني اقنع بتبعيتي ولا تؤلمني بتذكيري باني ليبي ومدجن بموروثي .. ومقيد بسيناريو اجتماعي ممل .. او قل خيرا .. ان كنت تؤمن بالله واليوم الأخر ..
ارحمونا من تحميل الجوهر عيوب المظاهر التي لا ترتبط به موضوعيا ..
من قال ان المولد النبوي بارود ومتفجرات وأطفال يتأصل فيهم التسول وتقتل فيهم عزة النفس، يحملون أكياسهم يزعجون الناس ليجبروهم على إعطاء الحلوى كأنها خراج ..!
..من قال ان الأفراح هي عري ورقص ماجن ..من قال ان التعزية عويل وشق جيوب ..من قال ان الحب هو خلوة أو إغراء أو انتهاك لحدود الله ..؟
نتحجج بكون الاحتفال بعيد الحب هو احتفال بشخصية لا تنتمي لديننا وأنها لا تستحق الاحترام وهذا مقنع جدا .. لكن من قال ان المحتفلين يحتفلون به ..!
انه نفس التفريغ ، فمثلما فرغ الأضحى من محتواه ومن علاقته بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام .. فرغ عيد الحب من ( فالنتاين ) ..عيد الحب عند من يهتم له - حتى من المسيح - هو فرصة للتعبير عن الحب حيث يجد نسبة كبيرة من البشر صعوبة في التعبير عن مشاعرهم ..وحيث تصطبغ بعض العلاقات نتيجة هموم الحياة وطول السنين بالخمول فتكون المناسبات بصفة عامة فرصة لاحياءها كعلاقات وهذا الأهم ..
قال سيدنا محمد يوما انا اولى بموسى منهم عندما شارك اليهود في سنتهم ولكنه خالفها في الطريقة والاسلوب ..ونتعلم من هذا ان التشبه المقصود بالانكار هو تشبه الاسلوب .. المسيح يصلون ويصيمون ونحن كذلك لكننا نخالفهم في الطريقة والمفاهيم وهذا الاصل .. الا نجرؤ ان نرسل لهم رسالة اننا أولى بالحب منهم ..وناخذها مناسبة لنصبغ المناسبة بثقافتنا ونحرر الحب مما الصقوه به ..؟
عندما يحتفل الزوجان بعيد الحب معا ففي هذا رسالة راقية بالإخلاص والاقتناع ..وهو يتوافق كثيرا مع نفسية المرأة التي تشعر دائما بقلق ويلاحقها شبح الأخرى ..
طبعا المناسبة ليست عيد الحب وحده ولكن ما ضير ان نلتمس كل مناسبة في التوقيت او في الكلام ..يحضرني حديث ام زرع وهو حديث طويل للرسول عليه الصلاة والسلام حدث به زوجته الصديقة بنت الصديق فطمئنها قائلا .." أنا لك كابي زرع لام زرع غير اني لا أطلقك " نجمع طبعا على عقل الحميراء وحكمتها الا انها انسانة وهو لم ينكر عليها هذا ..وتفهما له يلتمس مناسبة لطمأنتها وتهدئة ظنونها ..
هل سيفقد الرجل المسلم دينه او تختل عقيدته ان همس بكلمة حب او قدم هدية لزوجته..او قنديل لطفله ..؟
سيقول قائل ان هذا غير مهم ولكن فيما يتعلق بأمر الزوجان فتلك التفاصيل سر تميز ما بينهما .. وفيما يتعلق بالاطفال وما يعنيه لهم القنديل وكونه هدية من الأب فانتم أدرى ..
ليست المرأة وحدها تهتم للتفاصيل بل الرجل أيضا يتحول الى مخلوق دقيق و حساس عندما يحب .. يقول نزار /
" شئون صغيرة ..تمر بها انت دون التفات ..تساوي لديا حياتي " ..
في مجتمعات كبت مثل مجتمعنا نواجه دائما صعوبة في التعبير عن إحساسنا تسبب في تغريبنا عن من حولنا
ان كان عيد الحب هو مجرد مناسبة وحجة سنوية نتدرب فيها على التعبير فهذا وحده سبب مهم للاحتفاء به ..
شخصيا اعتبر ان كل ايام المحبين اعياد و أعياد من حرموا الحب مأتم ..
سؤال /
ما سنحقق بمنع الناس من الاحتفال هل سنمنع كل جنس من التفكير بالجنس الأخر ..؟
هل سنحرّم الحب تحديدا .؟
وهل سنطاع لو أمرنا بذلك..؟
هل الحب مسئول عن ما يرتكب باسمه من فسق وتجاوز ..
الحب هو سبب رئيسي لترتقي نظرة كل جنس للأخر وتسمو .. لتعبئ حياتنا السكينة والرحمة
منعنا الحب فما جنينا ..اسعدوا اذا بتتبع ما نسمعه من جرائم بين المحارم وأفراد الجنس الواحد ..للأننا تجاهلنا بشرية البشر واحتياجهم ..
لما لا نحول عيد الحب لمناسبة نتحدث فيها مع أبنائنا عن حقيقة الحب ..نخلص صورته من ما يشوهها في الأغاني المصورة والأفلام ..
لما نتركهم لجهلهم ونتذمر من نتائج خوفنا وتعامينا ...
استعدوا لقنبلة انفجرت ستطيح بكل اقنعتنا ..استعدوا لاجيال ستتعامل معنا كمخلوقات بائسة تتقنع بالهيبة والحكمة وتتوارث سياسة النعام.. فتتخطانا في تفهم وشفقة وتبحث وحدها عن قيم بديلة .
يذكرني حالنا عندما نمنع أبنائنا من المحبة بحجة الخوف على أخلاقهم ونتجاهل حاجاتهم النفسية..بحال ذاك المسيحي الذي اجبر على الإسلام ولم يعرف بقيمته وجماله فكان يقول كلما قرع جرس الكنيسة (هيييه ، اللي فالقلب في القلب يا كنيسية )
هل أخفتكم ؟ ..اطمئنوا سيستمر الادعاء والكذب والازدواجية ..لا عليكم اعتدناها ..أصبحت احد سمات شخوصنا ..تأكدوا لن يفقد أبنائنا هويتهم الليبية ، سيتمتعون بنفس الهشاشة والزيف ..
إعلانا عن فسقي .. سأحتفل بكل جميل ، بكل مناسبة للمحبة وسأصبغها بإحساسي وأسلوبي..
سأحتفل بمولد الحبيب عليه صلوات ربي وبعيد الطفل والأم وكل مناسبة للاحتفال وسأسعد كثيرا لو شاركت باعياد / الشاي الأخضر، وأطفال الكشافة ، وطائر السنونو ، وزهر الليمون ..!

الثلاثاء، 1 فبراير 2011

دنيا الرعب والبساطة


لأنها كانت (محترمة وزوجة لرجل) لم تكن أمي تعرف ما يدور خارج الباب، كانت فقط تتخيل أن البرد في الخارج أكثر منه في بيتها، ولأنها ليبية العقلية كانت لا تتجرأ ويكون لها اجتهادات ذهنية ، لم تتعلم هذا النوع من التطاول فهي طيبة (درويشة) ولا تشغل مخها في الاستنتاجات هي تأخذ ما تسمع من أفكار وتلتزم به حرفيا ( ببساطة )، لذا لم تدرك خلال الأربع سنوات المتتالية التي كانت تشحنني فيها بالمرض حقيقة سلوكها، كانت بحرص وعطف ظاهر تثقلني بالملابس(تقلفطني) لتحميني من برد الصباح، ولم يخطر في ذهنها الموجه أن تناقش أو تتخيل موضوع المطر ، فلا مطر في بيتها، وأبي بدوره ( دار اللي عليه ) حيث لكل منا ثلاث أحذية (قنباليات) تصل إلى ركبتيه...
ونخرج يوميا لنسبح حتى المدرسة، كانت قريبة، نعم حوالي مائة متر، وهذا وفق منطق أبي سبب في تتفيه كل العواقب لأنه يقيسها بالمدة ، مدة وجودنا في الطريق لا بطبيعة الطريق التي قد تكون متران وتضطرنا للسباحة ، الإنسان في بلادي هكذا، يمسك بجانب واحد في التفكير (أحادي النظرة) وان حاول أن يكون شموليا ومتعددا وصف بأنه معقد ،لم اغضب عندما سمعت كثيرا من صديقاتي "كنك هكي اتعقدي في الامور" على اعتبار ان التسطيح بساطة، وهي افة فكرية تعطل عجلة التقدم في حياتنا فكل قراراتنا تتحمس لجانب وتتغاضى عن البقية لتشكل فيما بعد اسباب لتداعيها، فعندما كان يسألني مديري سؤال كان يلحقه بطلب " جاوبيني وباختصار" ، "نبي كلمة وحدة ، ليش ..؟ " طبعا هذه ال ليش تحتاج لشرح فالتشعب طبيعة الحياة ، وأجدني في مأزق وتأبى أخلاقي أن أريح اعصابي على حساب مصداقيتي وأقول"لا اعرف"، وتنتهي عادة بان اشرح بينما هو لا يصغي لي وإنما لصوت في داخله يقول" ما اكثر دوتها " لهذا لم و لن يسمعني يوما و لكن لا ادري لما يعود ليسألني مجددا، ربما ليجدد إصغائه لصوت ذاته التي تستسيغ الإدانة كطريقة ليبية لتقدير الذات" سبق العيب في بنات النسا قبل ايشوفنه فيك" أو لأننا نستمتع بالتذمر والشكوى ، تنصحني أمي التي تخاف ان اتعب في حياتي على حد تعبيرها " ما تمسكيش في الكلمة البنادم مش كل كلمة ايقولها يقصدها"، أتعجب، أيفترض بي ان أخاطب الناس كمعتوهين..!!! واقدر لماذا يسمع الناس بربع اذن ، لانهم "ما يمسكوش في الكلمة " يمررون الكلام وهم يركزون على رسم الابتسامة وهز الرأس وينتظرونك لتصمت فيقولون أي شيء لا يقدم فكره، بدون جدل و"دواخ راس" وانما كلام والسلام.
قبل محاضرات الجامعة كان الطلاب يجتمعون حولي ليردعوني" فكينا من الأسئلة خليه يكمل محاضرته ويطلع، بعد تسأليه يرد ومعش تحز"، لا ادري أكنا طلاب علم أم رافضي علم !!!! .. ثم عرفت اننا رافضي تشغيل ذهن .. وعذرتهم عندما استغرب الاستاذ درجتي واستكثرها علي .. فانا - كما وصفني - اخر طالب يفهم الدرس واكثر طلابه ثقلا عليه .. تندر قائلا : " انت تحتاجي لساعة تسألي فيها زيادة عن كل ساعة في المحاضرة " .. اييييه .. ليته كان يجيب اي من تلك الاسئلة .. " الله يطريه بالخير " ..

لو كانت أمي تمسك في الكلمة ( عندها حس لفظي) لتذكرت إننا نسكن في (البركة) واعدتنا للسباحة عوضا عن المشي، احمد الله كثيرا عندما أتمشى اليوم في (البركة) حيث كنا نقيم وأهنئ أطفالها بحظهم الأوفر, في حين تميل صديقتي للشكوى وتقول نحن جيل الروماتزيوم ، فأحاول أن اتندر بتذكر أن الماء يصل لأكتافنا بينما تصل أحذيتنا للركب ، كم كنا محظوظين بمعلمات في غاية الإنسانية، حيث تقوم المعلمة بخلع أحذيتنا وملابسنا ونشرها يوميا وكأنها مكلفة بهذا،لم نكن نتعلم الكتابة بقدر ما تعلمنا قيمة أن نحاط بالرعاية، وان تكون الطرق معبدة ، أتذكرها فأحييها، وأدعو لها وأنا أشاهد برنامجا تربويا عن دور الأم في تعليم ابنها ارتداء الملابس لوحده، وأتذكر من جيلي من كان تمضي الخمس أيام ولا يغير ملابسه ولا احد من أهله يلاحظ ،وتلاقيت بأحدهم مؤخرا وهو يملك ويدير محل للملابس الراقية...!!
" المتربي من ربي" هذه عبارة أمي ، ربما بفضلها أو بفضل طيبتها كان لها ولمثيلاتها البسيطات باقة من المتربيين بدون جهد منهن.
يرى زوجي أن نغير مسكننا لأنه يبعد عن مقر عمله ويقترح بديل في منطقة مليئة بالحفر، وأتذكر برعب طفولتي البائسة واحضن أبنائي بقوة وأقول " وانت اللي توصل العيال للمدرسة "، ويهز رأسه بالإيجاب ، ويستنطقني رعبي مؤكدة : " يوميا " يكرر بنفاذ صبر : " يوميا " واسرح ، ترى هل سيلتزم بوعده أم كان "يفوت وما يمسكش في الكلمة" ويفض السيرة وكفى، وتستيقظ عقدي، وتلجمها ثقافتي ، وأجيب نفسي بان البدائل محدودة وهو مضطر، وأوافق على زيارة المكان وتفاجئني الحفر وأصرخ :" مستحيل" ، فيندهش" بسم اللهي ، ماكنتي اكويسة، واقتنعتي ، قتلك واللهي ح أنشيل العيال "... وأجيبه " أنخاف عليك، هذين حفر يوارن السيارة مش غير العيال .. تأخر عليا ساعتين وانا مطمئنة خير من تقرب مني ومن دنيا الرعب هذي"..
اكتب هذا وأنا أتساءل ما المعايير الأخرى التي أهملها وسأفاجأ بها بعد الانتقال...؟ فعيني لا ترى إلا الحفر وعيني زوجي تغطيهما ساعته التي تحسب المدة، أتساءل : هل اتبع ضميري وأنصف قراري وأفكر بشمولية وأبدأ بحصر ميزات البيت وعيوبه..؟، أم استغلها مناسبة لأتعلم البساطة..؟
وتجيبني تجربتي: على رأس من ستصب البساطة لعنتها...؟