مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

السبت، 25 سبتمبر 2010

مقياس حواء للزلازل...



مقياس الزَّلازل
الكاتب : عبدالله هارون عبدالله
* قصة قصيرة .
كانت زيارتي لصديقي الناقد والقاص (علي مسعود) والمقيم بمدينة (الأبيار) بعد أيام من حادثة زلزال القاهرة .. وصادفت زيارتِي له حفل عشاء ..
كان قد أقامه بمناسبة قدوم مولود.. وهكذا وجدت نفسي بين أناس من أقاربه وأصدقائه وجيرانه من مختلف الأعمار والمشارب والمِهَن.. قُدِّمَت لهم خلال العَشاء إحدى عشرة قصعة.. ومن يعلم بأن كل قصعة تُقدم عادةً لأربعة أَكَلَة (ارباعة).. يمكنه أن يُخَمِّن عدد المدعوين وغير المدعوين الذين اكتضَّت بهم (المربوعة) الكبيرة التي تربو مساحتها على خمسة وسبعين متراً.. كان أثاث (المربوعة) بسيطاً.. سجّاداً ذا لون واحد خالٍ من أية زخارف.. ومجموعة من المراتب الأسفنجية المغلَّفة بقماش زُّين بزخرفة نباتية.. بالإضافة إلى مجموعة من الوسائد المُغلَّفة بالقماش ذاته.. وعُلِّقت على أحد الجدران بعض الصور.. وعلى جدار آخر رسمة معلقة لطفل بائس تترقرق في عينيه الدموع.. وفي مواجهة الحضور كان ثمة طاولة يتربع عليها تلفاز تتنازع شاشته هذه القنوات الجديدة التي جلبتها الصحون.
لم يكن التلفاز ليحظى بمتابعة الحضور واهتمامهم.. فقد انقسموا إلى مجموعات غارقة في أحاديث جانبية أو منهمكة في لعب الورق.. ولكن إذا ما ظهرت على الشاشة لقطة من تلك اللقطات المشاكسة للحياء صدرت عن غالبية الحضور همهمة يحاول البعض دمجها في الحوارات المتقاطعة.. أو تحويلها إلى ضحكة مختلقاً لها سبباً ما.. قلة من الحضور كانوا يجلسون فُرادَى.. وهؤلاء يحاولون متابعة ما تعرضه الشاشة.. ولكنهم يجدون صعوبةً كبيرة في الْتقاط الصوت المصاحب للصورة بسبب هذه الجَلَبَة الناتجة عن تقاطع الأحاديث وصخب اللاعبين.
كان (علي) يجلس بجانبي أغلب الوقت.. وكنَّا نُكَوِّنُ بدورنا مجموعةً من هذه المجموعات.. كان حديثنا مُنْصَبًّا بالطبع على اهتمامنا المشترك والمتعلِّق بالكتابة القصصية.. وكنت بعثتُ إليه منذ فترة ببعض النصوص القصصية.. وبطبيعة الحال فقد كانت محوراً هامًّا من محاور حديثنا.. كان رأيه فيها يتلخَّص في أنها قصص مواكبة للحدث.. أو المرحلة.. فهي بذلك قصص صحفية وهذا ـ كما قال عنها ـ عيبها الوحيد.. قلت:
ـ هل ينبغي للكاتب أن يتعامل مع المرحلة بعد انقضائها بزمنٍ طويل؟
أجابني:
ـ نعم.. ذلك هو الأفضل.
***
حان موعد نشرة الأخبار بالقناة التي تحتل الشاشة.. بينما كان الحضور يشربون الشاي الأخضر الذي قُدِّم بعد العَشاء.. فخفَّت الضجة.. وتعلّقت العيون بالتلفاز.. وأرهفت الأسماع.. وأخذ البعض منهم يدعون جماعة من اللاعبين المتخاصمين إلى تناسي خلافاتهم والتزام الهدوء.
كان الخبر الرئيس يتناول زلزال القاهرة.. وتوالت على الشاشة مشاهد الإنقاذ والجرحى والجثث وسيارات الإسعاف.. كان زلزالاً شديداً.. تقرُّ بذلك هذه المشاهد.. ويصدّقها مقياس الزلازل الذي سجّل قراءة مرتفعة في الهزّة الأولى.. وفي بعض الهزَّات اللاحقة والتي تعرف بتوابع الزلازل.. وتم تناول الخبر في أكثر من فقرة ومن عدّة زوايا.. وأحس الحضور بشيء من الفتور في الرغبة في المتابعة.. لكنهم لم يعودوا إلى ما كانوا فيه من لَعبٍ وأحاديث جانبية.. بل كَوّنوا ما يمكن وصفه بحلقة نقاش مرتجلة حول الموضوع.. ما هي الزلازل؟ كيف تنشأ؟ هل يمكن التنبؤ بها؟ ما مقياس الزلازل؟ وما وظيفته؟
وهكذا دارت الأسئلة بين الحضور الذين تقلّص عددهم بسبب انصراف بعضهم.. وتمّت إجابة تلك الأسئلة كيفما اتُّفِق.. لكنّ السؤال الأخير كان مثيراً للجدل: إذا لم يكن لمقياس الزلازل أهمية في تجنّب أضرارها أو التخفيف منها فأين تكمن أهميته إذاً..؟ ودفع هذا الجانب من النقاش بالذات أحد الحضور وكان شيخاً تجاوز الستين من العمر إلى تذكّر حادثة تعود بتاريخها إلى زلزال المرج.. كان الشيخ يستحثُّ رجلاً في العقد الخامس من العمر جالساً بجواره لكي يتذكَّر معه تلك الحادثة.. كان الرجل ذا لباس أنيق وعناية واضحة بمظهره.. وتدل مداخلاته في النقاش على قدر كبير من الثقافة.. استحثَّه الشيخ قائلاً:
ـ تذكَّر يا استاد سالم أيش دارت خالتك (حَوّا) في زلزال المرج؟
وأجاب الأستاذ سالم بوجه خالٍ من التعبير:
ـ انعم.. خالتي حَوّا الواحد ما يقدر ينساها ولا يقدر ينسى أيش دارت.
***
وقع زلزال المرج القديمة ـ كما حدَّده ألأستاذ سالم ـ وهو يروي الحكاية.. بدقّة مساء يوم الخميس 27 رمضان 1382 هجرية 1963.2.23م.. وكان على ثلاث هزّات أودت بحياة ما يزيد عن ثلاثمائة مواطن.
واستشهد الأستاذ سالم في ذلك ببيت من الشعر العامي للشاعر (عبدالسلام الحر).. وقد شابت صوته نَبْرة خجل.. كما أن الحضور ـ وخاصة من الشباب ـ تطلّعوا إليه بنظرات خجولة.. لأنَّ البيت ورد بقصيدة غَزَل لا رِثاء.. وقد ورد في القصيدة على سبيل التأسِّي.. ونصّه:
ثلاثين عشره بين يوم وليلة اللّي دِفّْنَوا لا طار لا شَلاّية
وكان من بين الضحايا ابن وزوج خالة سالم هذه.. وبينما كانت تصرخ وتعترض كل من يمر بها وخاصةً من الجنود الذين يقومون بأعمال الإنقاذ والإغاثة طالبةً المساعدة.. خُيّل إليها أنها تعرّفت على أحدهم وهو يمر بها حاملاً جهازاً بين يديه.. ويسير في أثره رجل يرتدي ملابس (افرنجية) ـ كما وصفته فيما بعد ـ حاولت إيقاف الجندي مناديةً إياه باسم من تعتقد أنه هو.. كانت ترجوه أن ينبش معها الأنقاض.. لكنّها كانت مُخطِئة فلم يكن الجندي هو الشخص الذي تظن.. أسرعت نحوه متسائلةً عمّا يحمل آملةً أن يكون الجهاز ذا نفعٍ في محنتها.. وفي غمرة الفوضى تقدّم منها أحد أقاربها.. وسواء أكان مقتنعاً بما قال أم قاله من باب التهدئة.. فقد حاول إفهامها بلغة ميسّرة أن هذا الجندي يحمل كما يظن جهاز مقياس الزلازل لرصد الهزّات اللاحقة المتوقعة.. وتساءلت (حَوّا) عمّا إذا كان لذلك دخل في إنقاذ أولئك القابعين تحت الأنقاض.. وكانت إجابة قريبها سلبية.. فلحقت بالجندي وضربته على حين غرة ضربةً أطاحت بالجهاز من يديه وسقط على الأرض.. وشرعت تدوسه وتدكّه بقطع الحجارة المتخلفة من الأنقاض.
وعلَّق الأستاذ سالم:
ـ موش معروف الجهاز كان مقياس زلازل والاّ جهاز آخر.. لكن خالتي كانت في ظروف صعبة وتبِّي حل.
كنت آخر المُنصرفين من عند صديقي هذا.. وقد كلَّفني هذا التريث حذائي الجديد.. ووجدت بدلاً منه حذاءً مُهترئاً ومُتَّسِعاً.. وَصَفَه عَلِيّ بالقارب.. أصرَّ على الاحتفاظ به وأعطاني بدلاً من حذائه.
ودّعني بعد ذلك وقد كانت ترن في أذني كلماته عن أفضلية الكتابة عن المرحلة بعد مرورها بزمن طويل.. ولم أنسَ أيضاً مقياس الزلازل الذي حُطِّم لأنه يتحدث عادةً عن الزلزال بعد وقوعه.. وقبل أن أدير مفتاح السيارة في مكانه قلت لعَلِي:
ـ أعجبتني قصة الحاجة (حَوَّا).
ـ اكتبها.. ولكن سَمِّيها (مقياس الزلازل).
ثم بعد أن بدأت السيارة تَحَرُّكَها صاح كمن تذكّر شيئاً:
ـ واكتب قِصَّة القِصَّة.
_______________________________________-
مقياس حواء
الكاتب : وفاء الحسين
(( ذكرتني قصة "مقياس الزلازل" للكاتب عبد الله هارون بصورة "الواقعة" ربما لأن الواقعة ( لغة ) تسمية لا تقتصر على قيام الساعة وإنما تعم لتشمل كل حدث يفاجئ ويهز...
كالزلزال مثلا... ولقد صدقت خالتنا حواء المذكورة، فالإنسان هو الأهم في أي واقعة، ( الضرر الواقع على الإنسان وإمكانية دفع الضرر)، ثم يأتي لاحقا أخذ العبر بالتحليل والمقارنة والاستقراء.. لهذا استهل الحق السورة بأن قال "إذا وقعت الواقعة* ليس لوقعتها كاذبة*خافضة رافعة* إذا رجت الأرض رجا* وبست الجبال بسا* فكانت هباء منبثا* وكنتم أزواجا ثلاثة* فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة *وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة *والسابقون السابقون* أولئك المقربون* في جنات النعيم* ثلة من الأولين* وقليل من الآخرين " وهذا تماما ما يحدث في أي واقعة...أولا المفاجأة ثم محاولة عدم التصديق كنوع من الرفض "ليس لوقعتها كاذبة" ثم استشعار حجم الدمار والاهتزاز وقد يكون في ذواتنا أو مشاريعنا لا في الأرض وحدها إلا أن الأرض تبقى أم البشر.. ومصدر أمنهم وهم يبقون مستخلفين فيها لهذا هزتها أعمق وأصدق الهزات.. ومن ثم البحث عن حلول لدفع البلاء ورده "دفاع" ..إلا أن الطرح القرآني الأجمل دوما جاء بكلمة "هباء منبثا" ليقدم أن هذا آخر ما تتحسر عليه في الدنيا لتواجه حقيقتك، لتواجه نفسك.. ولهذا كانت "هباء منبثا" تقديما لشرح وضع الناس وهو الجانب الأهم الذي ضايق خالتنا حوا تجاهله في القصة، وإذ يوضح القران أحوال الناس كأهم ما في الواقعة فإنه يصنفهم لثلاثة أزواج ونحن نعرف أن التصنيف الزوجي دائما ثنائي(خير وشر)،(جنة ونار)،(مؤمن وكافر)، لكن كيف كان ثلاثة .. فهذا أهم دروس السورة وهو (السبق)، وهو إشارة لسرعة إجابة النداء وهي صفة تهمل قيمنا التربوية المعاصرة تأصيلها، وكنا نسميها "مروة"، ونقول "فلان دمه حامي"، ونفخر بأننا "بوادي لباسين جرود، يهبو لو صار البارود" أما إذ تبلدنا " من بلاد وبلدة " - راجع علي فهمي خشيم، رحلة الكلمات - أي تحضّرنا (أصبحنا حضرا) فأصبح التباطؤ أحد سماتنا لهذا كان هؤلاء السابقون " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين"... حيث سيزحف التحضر على البشر لا محالة ،فهل سنحاربه، لا ولكن لنتجهز له ونتحسس مخاطره ونؤصل من بداوتنا ما يسلحنا للتحول ،وهناك تساؤل حول علاقة سورة تتحدث عن قيام الساعة بالفقر والغنى خاصة بعد قراءة حديث عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" رواه ابن عساكر وأبو يعلي..
وباعتقادي.. إن السبق هو المؤشر الاقتصادي الذي تطرحه السورة ويتعلق بالفقر والغنى، فنحن ندرس المبادرة كأحد أهم مقومات الإنجاز في الإدارة، وفي ثقافتنا الشعبية "اللي سبق كلى النبق" لأن السبق هو دالة في الزمن الذي هو أهم معطيات العمل سواء بمعايير الإدارة أو بمعايير العسكرية أو بمعايير كرة القدم، والله تعالى إذ يخصنا بهذا الدرس لنقرأه كل ليلة فهذا لأن السبق كرامة، لهذا سبق توضيح أحوال السابقين عن غيرهم كرامة لهم، وجزاء من جنس العمل ، ولأنه سبحانه سيسبق الزمن حين يسألنا عن النعم " لا تزول قدم أحدكم حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه...إلى بقية الحديث". يستحثنا كاتب القصة بسؤاله متى يجب أن نناقش القضية في وقتها أو لاحقا..وأجيبه / توقع إجابات متنوعة حسب "مروة" مجيبيك....
تعرفون ماذا أثارني في قصة "مقياس الزلازل"..؟... تلقائية حواء وقوتها فلو كانت لدينا أمهات تكسر رؤوس المتباطئين لما شكونا الفقر أبدا.... ))

__________________________________
حوا / هي امرأة تضرب بالحجارة شخص يقف وسط الأنقاض ليقيس الزلازل بعد أن خيب أملها في نخوته.

هناك 4 تعليقات:

  1. الكاتبة / وفاء الحسين

    خابيتك زاخرة بالروائع وحافلة بالجمال .. أهنئك من صميم قلبي على هذا الإبداع وأنتظر منك المزيد .

    أخيك عبدالحفيظ أبوغرارة

    ردحذف
  2. الأخ عبد الحفيظ أبو غرارة ... أبهجني مرورك وشرفني اسمك الذي طالما ارتبط عندي بالروائع.. هي مناسبة لأحيي فيك ذوقك الراقي .. وشغفك بالجمال وتتبعه دون محاباة.. وتحيزك للجميع ..الجميع فقط .. أشكرك من صميم خابيتي..

    ردحذف
  3. الأستاذة وفاء الحسين
    أتابع باهتمام ما تدلقين من نفيس خابيتك ،التي أتصور أنكِ من خلالها تتأمَّلين تجارب الآخرين، بحثاً عن إشاراتٍ واستنتاجاتٍ تنبعُ من رؤيةٍ عميقةٍ، أعتقد أنها تستكملُ شخصية النصوص المنتخبة .
    الخابية.. مشروع ٌ مفتوحٌ على صنوف الأدب المختلفة
    أتمنى لك كل التوفيق

    ردحذف
  4. الشاعر جميل القلق علي الفسي/
    أشكرك كثيرا لأنك قرأتني باهتمام.أثمر هذه الرؤية العميقة لمشروعي الأدبي (الخابية) , أحببت كلمة (تستكمل) لأنها ترجمت رؤيتي للقراءة كفعل , وأرضاني إنصافك بوصفها (تأملات).. فخلف المعنى دائما هناك أرواحنا ورؤانا تنسج منه معان جديدة وترسله في فضاءات وليدة .. كان تعليقك قراءة في قراءة في قراءة.... شكرا جزيلا... وأول توفيقي زيارتك..شرفت..

    ردحذف