مرحبا بك..... هنا ...


يمكن ان نخبئ كل الفنون /



( قصيدة ، لوحة ، زيي ، قصة ، لحن ، مبنى، منحوتة ، مخطط مدينة ، رقصة ) في خابية واحدة مادتها الجمال ..

وفاء الحسين

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

الاسلام ،، النسوية ،، القفص




من يستطيع أن يدعي أن مفتاح القفص لا يقبع بداخله؟
....
إذا كان العدل والمساواة قيمتين متلازمتين في الإسلام، كما يقر كافة الفقهاء ويعتقد جميع المسلمون، ألا يعني ذلك ضرورة تجليهما في القوانين المنظمة للعلاقة بين الرجل والمرأة وفي حقوق كل منهما...؟ لماذا تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية في كتب الفقه التي تضطلع بتعريف اصطلاحات الشريعة؟
هل مفتاح القفص بداخله؟
تلك التساؤلات واجهتني عام 1979، عندما طرأ التحول الأكبر في حياتي على المستويين الشخصي والعقلاني بانتصار الإسلاموية ـ أى توظيف الإسلام كأيديولوجية سياسية ـ في وطني إيران، وكشأن الغالبية من نساء وطني أيدت الثورة بكل قوة وآمنت بعدالة هذا الدين، لكني سرعان ما اكتشفت أنني في كنف الدولة الإسلامية التي تأخذ على عاتقها تطبيق الشريعة- العمود الفقري في المشروع الإسلاموي- لست أكثر من مواطن من الدرجة الثانية، ولعل هذا ما جعلني أؤمن بأن عدالة الإسلام غاية لا يمكن إدراكها في وقتنا الراهن إلا عبر ولوج التشريع الإسلامي بوابات الدمقرطة والغربلة الحداثية. وعلى هذا، فإن الخطابات الإسلامية على تنوعها، بل والإسلاميون أنفسهم، بحاجة ماسة إلى عمليات مصالحة وتوافق مع القضايا الحقوقية، وعلى رأسها حقوق المرأة، حيث لم تعد القوانين التي يفرضها الإسلاميون باسم الشريعة تجليا للعدالة الإسلامية.

الخيار الصعب
يأخذنا هذا إلى العلاقة محل النزاع بين الإسلام والنسوية، وإلى الرابطة المعقدة بين المطالبة بحقوق متساوية للمرأة من جانب والحركات التحررية والوطنية التي امتدت طيلة النصف الأول من القرن العشرين من الجانب الآخر.

ففي الوقت الذي تشكلت فيه النسوية على المستويين الفكري والحركي، وبرز دورها في أوربا وأمريكا الشمالية، كما أوضحت ليلى أحمد وآخريات، سعت الحركة إلى تقديم المسوغ الأخلاقي للهجوم على المجتمعات الإسلامية وللتأطير للاستعلاء والتفوق الأوربي.
ومع تصاعد مد الحركات التحررية والوطنية، وجد المسلمون أنفسهم في خنادق الدفاع عن العلاقات الجندرية التقليدية، ووجدت النساء المسلمات اللاتي اكتسبن الوعي النسوي ودافعن عن حقوق المرأة في المساواة أنفسهن تحت وطأة التماهي مع الأولويات الوطنية والتحررية، وأن أي انشقاق عنها أوالسباحة في فلك آخر يمكن تأويله على أنه درب من الخيانة.
وفي الوقت الذي تمكنت فيه المرأة الغربية من توجيه سهام النقد ضد العناصر اللاهوتية في الثقافات والأديان التي ينتمين لها تحت شعارات الحداثة والليبرالية والديمقراطية، عجزت المرأة المسلمة عن التعويل على هذه الأيديولوجيات الخارجية أو البدائل الداخلية (كالقومية ومناهضة الاستعمار) في الصراع من أجل تحقيق المساواة الجندرية؛ وأضحى الإسلام لدى أغلب الليبراليين والحداثيين نموذجا للديانة اللاهوتية التي ينبغي نبذها؛ كذلك أضحت النسوية لدى أغلب القوميين والتحرريين مشروعا استعماريا يجب مقاومته والتصدي له؛ ووجدت المرأة المسلمة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الهوية الدينية الإسلامية، وإما الوعي الجندري الجديد.

التناقض الظاهري
إلا أن هذه الإشكالية قد تلاشت مع أفول القرن العشرين، حيث ساعد تصاعد الإسلام السياسي على خلق مساحة تمكنت خلالها المرأة المسلمة من إجراء المصالحة بين عقيدتها من جانب وكفاحها في سبيل المساواتية الجندرية من الجانب الاخر. وفي هذا المقام ينبغي التأكيد على أن هذا لم يكن نتاج طرح مساواتي قدمه الإسلاميون في فضاء العلاقات الجندرية، بل كان مشروعهم (العودة للشريعة) ومساعيهم لترجمة الافكار اللاهوتية المتضمنة في الشريعة الإسلامية إلى أيديولوجيات سياسية مثارا لموجات من النقد شملت فيما شملت قضايا المرأة، وسرعان ما تحول النقد النظري إلى حركة على الأرض، وتضاعفت أعداد النساء اللاتي ارتأين عدم وجود رابط عضوي أو علاقة منطقية بين اللاهوتية والنموذج الفكري الإسلامي، كما ارتأين أيضا في ذات السياق عدم وجود تناقض بين الإسلام والنسوية، ومن ثم، وجوب تحرر الخطاب النسوي من الخطابات القومية والتحررية.

ميلاد خطاب جندري جديد
ومع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، برزت ملامح وعي جديد تمثل في الخطاب الجندري، ذلك الخطاب الذي حمل ملاح النسوية في استلهاماته ومطالبه، لكنه كان إسلاميا في لغته ومصادره التشريعية. وانضوت بعض نماذج هذا الخطاب الجديد تحت عنوان "النسوية الإسلامية"، ذلك الاصطلاح الذي لا يزال حتى اللحظة الراهنة مثارا للجدل والنزاع بين غالبية الإسلاميين وبعض النسويات باعتباره مناقضا لأيديولوجياتهم ومنطلقاتهم الفكرية.

ما هي إذا "النسوية الإسلامية"؟ وما أوجه الاختلاف بينها وبين سائر النسويات؟ هذه الأسئلة ينبغي الإجابة عليها عبر تحليل شامل لديناميكيات الظاهرة، وإمكانية تحققها على الأرض في العالم الإسلامي.

بداية، يبدو من الصعوبة، وربما من العبث، تصنيف الأصوات النسوية البارزة في العالم الإسلامي تصنيفا خاصا بمعزل عن الحركة النسوية العامة، كما أنه يصعب أن نصيغ تعريفا جامعا يعكس كافة المواقف والمقاربات المختلفة الخاصة بمن يطلق عليهن النسويات المسلمات، وذلك لأن مواقفهن يغلب عليها، كشأن سائر النسويات، المحلية والتنوع والتطور.

وليس من الشطط أيضا أن نؤكد أن العديد من المنتميات للنسوية الإسلامية يرفضن هذا التوصيف ويأبين على أن يكن "نسويات" أو "إسلاميات". والحقيقة أنه برغم وحدة الهدف في السعي إلى إقامة عدالة جندرية ومساواة حقيقية بين الرجل والمرأة، إلا أن ثمة اختلاف، أو ربما خلاف، بيِّن على التأطيرات النظرية والآليات العملية لتحقيق هذه العدالة. ومن ثم، فإن أي تعريف "للنسوية الإسلامية" من شأنه أن يلبس علينا تفهم الظاهرة وأن يتجاوز، بل ويدمر الثنائيات التقليدية بما في ذلك عمليات الاستقطاب بين الديني والعلماني وبين "الشرق" و"الغرب"، بحسب "مارغوت بدران".

ولفهم خطاب لا يزال في مراحله التكوينية، علينا أن نستعرض بالتحليل التوصيفات التي يقدمها الفصيل المناوئ، أوبعبارة أخرى، علينا أن نبحث مليا في المشروع المناهض الذي جاء هذا الخطاب لمقاومته.

وفي هذا السياق، يمكننا تقسيم المسلمين المعارضين للمشروع النسوي إلى صنوف ثلاثة هم: المسلمون المحافظون، والأصوليون الإسلاميون، والأصوليون العلمانيون.

أما الصنف الأول ـ المحافظون ـ فيميل بجلاء إلى التصدي لأية تغييرات يمكن أن تطرأ على ما يعتقدونه صلاحية أبدية مما تصادق عليه الشريعة.

أما الأصوليون الإسلاميون، على الجانب الآخر، والذين يمثلون الفصيل الأكبر بين الفصائل الثلاث، فيسعون إلى إجراء عمليات تغيير للممارسات الآنية بالعودة إلى معين الشريعة الأول والأكثر صفاء.

على حين يرى الأصوليون العلمانيون، والذين لا يقلون دوجماتية وأيديولوجية عن الأصوليين الإسلاميين، أن القوانين والممارسات الاجتماعية المستمدة من الشريعة الإسلامية لا تتسم بالعدالة أو المساواتية.

وبرغم تنوع المنطلقات الفكرية وتباين الأجندات العملية، إلا أن هذه التيارت المناوئة للمشروع النسوي تتشارك جميعها في أمر واحد هو الفهم اللاتاريخي لكل من الشريعة الإسلامية والجندرية. لقد فشلت هذه التيارات جميعا في أن تدرك أن الفروض النظرية والقواعد الخاصة بالجندرية في الإسلام، وفي كافة الأديان، تقوم على أسس اجتماعية، ومن ثم فهي منفتحة على التباحث والتغيرات التاريخية، كما أنهم سقطوا في شراك رفض القراءات التي تؤطر للشريعة الإسلامية باعتبارها نظاما قانونيا لا يختلف في جوهره عن سائر النظم القانونية القابلة للتطور، وأخفوا هذا الرفض بأستار من التحريف في التفسير والانتقائية في النصوص والسفسطة في الدلالات، فكانوا جميعا يختمون نقاشاتهم بأيات قرآنية وأحاديث مجتزئة عن سياقاتها الحقيقية ويوظفونها لأغراض مختلفة.

وقد لجأ المحافظون والأصوليون الإسلاميون إلى هذه الآلية كوسيلة لدحض الآراء الأخرى ولتوظيف قدسية النص لأغراض سلطوية.

ولم ينح الأصوليون العلمانيون بعيدا، فقد اعتمدوا المنهجية ذاتها ولكن تحت شعارات التقدم والحداثة، وكوسيلة لفضح ظلم الإسلام للمرأة، متجاهلين تبني الديانات الأخرى لذات الموقف، والسياقات التي وردت فيها النصوص ووجود نصوص مضادة، فيما يشبه عملية إعادة انتاج للرواية الاستشراقية الفظة عن الإسلام.

وعلى هذا خرجت رواياتهم منقوصة وخالية من الاعتراف بتجذر اللامساواة الجندرية في العالم القديم، وأن وضعية المرأة في النصوص المسيحية واليهودية لا تختلف في كثير عنها في النصوص الإسلامية، وأن التحول الذي طرأ على وضعية المرأة في الغرب المسيحي كان تجليا لظروف اجتماعية جديدة تشكلت تبعا لها خطابات سياسية وسوسيو اقتصادية ومقاربات جديدة للدين.

والحقيقة أن قراءة نشاطات النسويات المسلمات يجب أن تتم بمنأى عن هذه النقائص، فبكشفهم العديد من الحقائق التاريخية وبتقديمهم قراءات جديدة للنصوص الشرعية، نجحت النسويات المسلمات في تبرئة ساحة المشيئة الإلهية من اللامساواة الضامرة في الشريعة وأنها (أي اللامساواة) ليست ركنا ركينا في نظام اجتماعي رجعي غير قابل للعلاج، بل هي مجرد تأطيرات بشرية، وتذهب النسويات المسلمات أبعد من ذلك ببيان تعارض هذه التأطيرات البشرية مع جوهر العدالة الإلهية التي يعرض لها القرآن، وأن النصوص الإسلامية المقدسة قد أفسدتها أيديولوجيات من تعرضوا لها بالتفسير والتأويل. فحقوق الطلاق وتعدد الزوجات التي اختص بها الرجل، على سبيل المثال، لم تكن منحة إلهية، بقدر ما كانت منحة من الفقهاء، فيما يشبه التراكم الفقهي الذي بدأ من تصور وتعريف الفقهاء الأوائل للزواج كعقد تبادلي على غرار عقود البيع، والتي كانت تستخدم كنموذج لأغلب العقود في الشريعة الإسلامية.

القراءة غير اللاهوتية للنصوص المقدسة
ركزت باحثات المشروع النسوي جهودهن في مجال التفسير ونجحن في الكشف عن الرسالة المساواتية في القرآن، وأن منشأ اللامساواتية الجندرية في الشريعة الإسلامية إنما يكمن في التناقض الداخلي بين المثل العليا في الإسلام والمعايير الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمعات الإسلامية الأولى. فبينما دعت القيم الإسلامية العليا إلى الحرية والعدل والمساواة، عجزت المعايير الإجتماعية في المراحل التكوينية للمجتمعات المسلمة عن استيعاب وتمثل هذه القيم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزها إلى استيعاب هذه المعايير المجافية في الفقه الإسلامي عبر مجموعة من النظريات والفروضيات الفقهية والشرعية والاجتماعية من شاكلة: "المرأة مخلوقة من الرجل ولأجل الرجل"، و"النساء أدنى مرتبة من الرجال"، و"المرأة بحاجة لمن يحميها"، و"الرجال حماة النساء"، و" النزعة الجنسية الذكورية تختلف عن النزعة الأنثوية، وأن الثانية تشكل خطرا على النظام الاجتماعي". وبلغت هذه النظريات أوج تطبيقاتها في القواعد المنظمة لإتمام وإنهاء عملية الزواج، والتي قامت بدور بارز في دعم اللامساواتية الجندرية في المجتمعات المسلمة المعاصرة. ولقد حاولت خلال بحثي في مسألة الزواج والطلاق أن اتعاطى مع هذه الفروض الفقهية لبيان وقوع الفقه الإسلامي أسيرا لنظرياته الشرعية والتي صادفت بعد حين الدعوة القرآنية للعدل والإصلاح.

هذه الأصوات النسوية المسلمة تطأ الآن موطئا فريدا لصياغة نموذج تحولي في الشريعة الإسلامية، وذلك بالكشف عن أن اللامساواة الضامرة فيها لا تعبر عن الإرادة الإلهية، وإنما عن فقهاء ذكوريين. وهذا من شأنه أن يقود إلى نتائج معرفية وسياسية هامة؛ أما على المستوى المعرفي، فإن نجاح هذه الجدلية سوف يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن بعض القواعد التي يدعى حتى الآن "إسلاميتها"، وأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من الشريعة ليست أكثر من مجرد آراء وتصورات لبعض المسلمين، وأنها لا تتجاوز أن تكون مجرد حفنة من الممارسات والمعايير الاجتماعية التي لا ترق بحال إلى مدارج القداسة، وأنها، من ثم، ليست مطلقة ، بل هي بشرية وقابلة للتغيير. وأما على الصعيد السياسي، فإن هذا من شأنه أن يعفي المسلمين من اتخاذ مواقف دفاعية، ويمكنهم من تجاوز الفقه القديم بحثا عن أسئلة جديدة وإجابات جديدة.

إن مثل هذه المقاربة للنصوص الدينية يمكن أن تفتح الطريق، ولو بعد حين، نحو تغييرات هامة وإيجابية في الشريعة الإسلامية لاستيعاب متغيرات عدة مثل المساواة الجندرية وحقوق الإنسان. إن بلوغ هذه الأهداف وصدور تشريع رسمي تتجلى فيه هذه التصورات يعتمد على توازن القوى بين المحافظين والإصلاحيين في كل دولة من دول العالم الإسلامي ومدى القدرة التي تتمتع بها المرأة في تنظيم والمشاركة في اللعبة السياسية والتعاطي مع أنصار الخطابات المختلفة.

ولكن يبقى من الأهمية أن نتذكر ثلاثة أمور:

الأول، أن الشريعة الإسلامية، كغيرها من النظم القانونية، تمثل رد الفعل، بمعنى أنها تتجاوب مع الممارسات الاجتماعية والتجارب الإنسانية الموجودة على الأرض؛ وتمتلك هذه الشريعة الآليات القانونية التي تمكنها من التعاطي مع مطالب المرأة بالمساواة. وفي هذا السياق ينبغي أن نتذكر دائما بأن النظرية القانونية في أغلب الأحوال تسبق الممارسة، أي أنه عندما يطرأ التغيير على الواقع الاجتماعي، فإن الضغط الاجتماعي يؤدي إلى حدوث تغيرات موازية على الصعيد القانوني.

الثاني، أن الشريعة الإسلامية لا تزال حكرا على الفقهاء الرجال الذين يستقون معرفتهم عن المرأة من نصوص وكتابات تعكس حقائق زمن مختلف واهتمامات مختلفة. ولابد اليوم من مصادرة هذا الاحتكار عن طريق شراكة نسائية في عمليات إنتاج المعرفة من خلال قدرتهن على طرح موضوعات جديدة وجريئة.

وأخيرا، ثمة توافق نظري بين روح المساواة في الإسلام وبين البحث النسوي الحثيث عن العدالة، ولعل هذا هو ما يجعل المشروع النسوي في الإسلام يشكل قلقا لأصحاب الآراء التقليدية والمصالح المكتسبة في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي.

الكاتبة؛ د. زيبا مير حسيني: باحثة إيرانية مقيمة بالمملكة المتحدة.
المترجم؛ أ. أحمد بركات: كاتب ومترجم مصري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق